دمشق | بينما كان يزور وفد أميركي برئاسة إيثان غولدريتش، نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، مناطق «قسد»، وسّعت روسيا من دائرة حضورها العسكري عن طريق نشر بطّاريات دفاع جوي (S300) في مطار الطبقة العسكري، الأمر الذي بات يضمن لموسكو تغطية جوية متكاملة، تمتدّ من قاعدتها العسكرية في الساحل السوري، إلى مطار القامشلي في الشمال الشرقي من سوريا، وصولاً إلى محافظة الرقة في الشمال، وهو ما من شأنه ترسيخ منظومة الردع الروسية لمواجهة أيّ محاولات تمدّد تركية نحو مناطق باتت تحت إشراف موسكو.وتندرج زيارة الوفد الأميركي الذي التقى عدداً من قيادات «قسد»، ضمن مساعي واشنطن المتأخّرة لإعادة تنشيط حضورها في المنطقة، بعد فترة تردّد طويلة استغلّتها موسكو في توسيع مناطق نفوذها في الشمال والشمال الشرقي من سوريا. لكن لم تخرج عن الاجتماع أيّ تصريحات جديدة تُغيّر من المعادلة السياسية والعسكرية في المنطقة، حيث انحصر النقاش في الأحوال المعيشية في مناطق «قسد»، وسبل محاربة «التنظيمات الإرهابية» (داعش)، وهو الغطاء الذي تتّخذه واشنطن لـ«شرعنة» وجود قواتها في سوريا، خصوصاً بعد قرار الولايات المتحدة الأخير إبقاء وجودها العسكري هناك في الوقت الحالي. وتتمركز القوات الأميركية في المناطق النفطية، وبعض النقاط المحيطة بها، بالإضافة إلى قاعدة التنف على الحدود السورية - العراقية - الأردنية، في وقت يمتدّ فيه نفوذ موسكو ليشمل مساحات واسعة من مناطق سيطرة «قسد» على طرفَي الفرات الشرقي والغربي.
وبينما ارتفعت بعض الأصوات الكردية المُرحّبة بالزيارة الأميركية، على اعتبارها تمثّل انتصاراً للجناح الأميركي في «قسد»، والذي يرى ضرورة استمرار الوجود العسكري الأميركي كوسيلة حماية لمشروع «الإدارة الذاتية»، ذكرت مصادر متقاطعة أن المساعي الروسية لاحتواء تركيا ستفضي في النهاية إلى إجبار «قسد» على الانسحاب من أربع نقاط تستهدفها أنقرة، هي تل رفعت ومنبج وعين عيسى وتل تمر، خصوصاً أن الأتراك أبدوا ترحيباً بعودة هذه المناطق إلى سيطرة دمشق. وبينما تُطبخ تلك المعادلة على نار هادئة، تبدو قضية إدلب أكثر إلحاحاً، حيث تستحوذ على الجزء الأكبر من جهود موسكو، سعياً لإنهاء المماطلة التركية فيها، وإغلاق ملفّ طريق «M4» أوّلاً، وإدلب في وقت لاحق، وهو ما ناقشه وزيرا الدفاع الروسي سيرغي شويغو، والتركي خلوصي أكار، قبل أن يُعلَن عن زيارة سيقوم بها وفد عسكري روسي إلى أنقرة الأسبوع المقبل، وسط تسريبات تفيد بأن الهدف الرئيس من الزيارة وضع اللمسات الأخيرة على قضية طريق حلب – اللاذقية.
تأتي التحرّكات الروسية الأخيرة بالتوازي مع تحرّك إماراتي نحو إيران وتركيا


وتأتي التحرّكات الروسية الأخيرة بالتوازي مع تحرّك إماراتي نحو إيران وتركيا، وتحرّك تركي نحو إيران، ضمن المساعي الإماراتية لفتح طريق عبر إيران وصولاً إلى تركيا، وتنشيط طريق سوريا عبر معبر نصيب الحدودي وصولاً إلى ميناءَي طرطوس واللاذقية، الأمر الذي يتطلّب فتح طريق «M4». كما يأتي كلّ ذلك وسط حديث عن إعادة تنشيط المشروع الصيني (الطوق والطريق) الذي يشكّل شبكة طرقات دولية تسهّل عمليات مرور البضائع، وتُعتبر سوريا إحدى المحطّات المهمّة فيه، وهو ما ظهر بشكل واضح من خلال الزيارة التي أجراها وزير الخارجية الصيني إلى سوريا في شهر تموز الماضي، عقب فوز الرئيس السوري بشار الأسد بدورة رئاسية جديدة، وما تبعها من تنشيط لخطوط الاتصال السياسي، تَمثّل أبرز وجوهه في الاتصال الهاتفي بين الرئيس الأسد ونظيره الصيني شي جين بينغ مطلع الشهر الحالي.
وتسبق جولة المحادثات الجارية في الوقت الحالي بين الأطراف الإقليمية، وعمليات الضغط العسكرية المستمرّة للجيش السوري والطائرات الروسية على مواقع سيطرة الفصائل المسلحة في إدلب، اللقاء المرتقب للدول الضامنة لـ«مسار أستانة»، والمقرَّر عقده في العاصمة الكازاخستانية نور سلطان في العشرين من الشهر المقبل، والذي سيضمّ وزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا. وسينعقد هذا اللقاء بينما تنجح روسيا، إلى الآن، في إعادة ضبط الميدان السوري، والدفْع نحو حلول سياسية تُجنّب الأطراف المتناحرة صراعاً عسكرياً مباشراً، وذلك عبر فصل ملفّ «قسد» عن إدلب، وتسريع وتيرة حلحلة عقدة إدلب، التي تُمثّل بالإضافة إلى أهمّيتها الاستراتيجية، تحدّياً قد تكون له آثار مستقبلية، كون المحافظة تُعدّ معقلاً لفصائل متشدّدة عدّة، بينها فصائل أجنبية. ومن هنا، يجري العمل على إيجاد حلّ تتابعي لهذا الملف، يبدأ بفتح طريق حلب - اللاذقية، وإبعاد الفصائل عن منطقة جبل الزاوية، لتتبع هذه الخطوة خطوات لاحقة، تبدو إزاءها دمشق متفائلة بقرب استعادة إدلب، بينما يبقى العائق الوحيد هو الوجود الأميركي الذي يعرقل إنهاء ملفّ «قسد»، والذي يبدو أن ثمّة تفاؤلاً أيضاً باقتراب موعد تجاوزه برحيل القوات الأميركية، والتوصّل إلى اتفاق شامل مع «الإدارة الذاتية».