التمهيدُ والتهليل اللذان افتعلتهما الحكومة السورية لأشهر قبل البدء بتنفيذ المشروع الذي أسمته «إيصال الدعم إلى مستحقيه» لم يجدِيا نفعاً في تخفيف وطأةِ الضربة التي تلقاها الشعب السوري عند الإعلان عن استبعاد نحو 500 ألف أسرة من الدعم الحكومي، خاصةً مع الأخطاء الكبيرة التي ظهرت في تطبيق آلية الفرز بين مدعوم ومستبعد، ما جعل أغلب السوريين يتناولون الموضوع بالكثير من الانتقادات على وسائل التواصل الاجتماعي بعضها ساخر والآخر شاتم وغاضب.
يبدو أنّ شعار «الخبز خط أحمر» لم يعد مناسباً بعد آلية الدعم الجديدة، فالعائلة السورية المستبعدة من الدعم والتي تستهلك يومياً ربطة خبز واحدة، سيكلفها مصروف الخبز وحده ما يعادل 40 ألف ليرة سورية شهرياً، أي تقريباً نصف راتب الموظف الحكومي، عدا مضاعفة أسعار وحدات المازوت والبنزين والغاز وبعض المواد الغذائية التموينية ثلاثة أضعافٍ على الأقل. لكن للأسف لم يراود أصحاب القرار سؤال حول تمكّن الأسر المستبعدة من الدعم بسبب امتلاكها سجلاً تجاريّاً ـــ أي مشروع اقتصادي تعيش منه، من دفع هذه المصاريف في ظل أزمة معيشية وضائقة اقتصادية تتزايد رغم وجود الدعم فكيف من دونه؟!

أما مسألة الاستبعاد وفقاً لنوع السيارة التي تمتلكها العائلة فكانت من أكثر الأسباب مدعاة للسخرية، إذ حكمت الآلية على تاريخ تصنيع السيارة وسعة المحرك لا على نوعها وسعرها مثلاً، وتهكّم بعض الشباب على هذا مطلقين في «ستورياتهم» ما أسموه حكمة اليوم «سابا مدعومة ولا شام محرومة»، إشارة إلى سحب الدعم عن السيارة الوطنية الصنع «شام» فقط لأن سعة محركها 1800CC.

أخطاء بالجملة
منذُ اللحظات الأولى لتنفيذ مشروع «إيصال الدعم إلى مستحقيه» عرّى الشعب السوري الأخطاء التي وقع فيها منفذو المشروع و«نشروا غسيلهم» على وسائل التواصل الاجتماعي، فمع وجود 90% من السوريين تحت خط الفقر – حسب تقديرات أممية، ليس من السهل أن تجد نفسك خارج الدعم لسبب مغادرتك البلد فيما فكرة السفر إلى محافظة أخرى غير متاحة لك لأسبابٍ ماديّة بحتة.

يقول محمود (54 عاماً): «أنا لا أملك جواز سفر حتى، ولم أغادر دمشق منذ 10 أعوام»، أما علا (35 عاماً) فتقول: «تهمتي أنني منتسبة إلى نقابة المهن المالية والمحاسبية»، بينما عادل (29 عاماً) وهو جريح حرب ألغي دعمه لسبب امتلاكه سجلاً تجاريّاً أقام به مشروعاً إنتاجياً متناهي الصغر بإشراف الحكومة، ويقول: «سأغلق المشروع وأتجه للشحادة».

وتلك الأخطاء كانت كثيرة فعلاً لدرجة اضطرت أكثر من وزارةٍ (النقل ــ النفط ــ الداخلية ــ التجارة ــ الاتصالات) للتصريح سعياً للتخفيف من احتقان الشعب على ما حصل، غير أنّ «ما زاد الطين بلة» عدم التنسيق بين الوزارات التي عملت على المشروع حتى في تبرير الأخطاء، فوزارة التجارة وحماية المستهلك اعترفت بأنها تعلم باحتمالية حدوث بعض الأخطاء المعلوماتية لذلك جهّزت موقعاً للاعتراض، بينما وزارة النفط أصرّت على أنها لو كانت على علم بوجود أخطاء بقواعد البيانات لما أُطلقت المنظومة في الوقت الحالي، وبعدها أخذ مجلس الوزارء بـ«الترقيع» عبر إصدار العديد من التصريحات التي تدور حول جميع الأخطاء التي حصلت لتصحيحها وتقديم التسهيلات في حلها إضافةً إلى تعديل بعض النقاط المجحفة في الآلية والتي ستعيد بعض الأسر إلى مظلة الدعم.

والوجهة الأولى التي على المواطن السوري قصدها لتقديم الاعتراض لاسترجاع حقه هي تطبيق «وين» الخاص بـ«البطاقة الذكية» وموقع الاعتراض الجديد الذي أطلقته وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، وكلاهما في حالة يرثى لها.

«ترقيع» عالسكت
اعتبرت المحامية رولا باش إمام، أنّ عملية رفع الدعم الجزئي «إجراء غير دستوري ومخالف للقوانين»، مشيرةً إلى أنه جاء في مقدمة دستور الجمهورية العربية السورية لعام 2012 بأن «الدستور هو الدليل الناظم والضابط لحركة المؤسسات والمصدر لتشريعاتها»، كما جاء في المادة 33 منه ــ الفقرة الثالثة «المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات لا تمييز بينهم»، وتتساءل كيف يتم التمييز بين المواطنين في تقديم الدعم أو منعه؟

وتحت قبة مجلس الشعب ظهر أيضاً من يعترض على هذا الواقع، إذ طالب العضو ناصر الناصر، بضرورة التراجع الفوري عن هذا القرار الذي وصفه بـ«الخطير والظالم» وطرح مقترحَ حجبِ الثقة عن الحكومة الحالية.

ما يثيرُ الاستغراب أنّ آخر «ترقيعات» الحكومة كانت تنبيه وسائل الإعلام الحكومية بعدم التعاطي السلبي مع مشروع الدعم الجديد، بل وصل الأمر لإصدار بعض التوجيهات الشفهية على مجموعات العمل الخاصة ببعض المؤسسات الإعلامية بعدم التكلم عن أي ظاهرة سلبية على الصفحات الشخصية تحت طائلة المساءلة في حال المخالفة.

وكما درجت العادة مع «المطبّات» الحكومية، تحدث مصدر مقرب من كواليس مجلس الوزراء، عن وجود نقاش حول إجراء تعديلات في الحكومة الحالية بسبب الأخطاء اللي حصلت، رابطاً ذلك «بتوجيهات رئاسية بعدم المساس بلقمة عيش السوريين».