وتُقدَّر عائدات «تحرير الشام» من المعابر بنحو 13 مليون دولار شهرياً، لكنّ هذا الرقم لا يشمل معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، والذي يحقّق لوحده عائدات تقارب 40 مليون دولار شهرياً، ما يعني أن واردات خزينة الجولاني من المعابر تصل إلى نحو 53 مليون دولار في الشهر الواحد.
تمثّل مدينة سرمدا عاصمة اقتصادية لـ«تحرير الشام» وتشكّل مع «باب الهوى» وحدة اقتصادية متكاملة
وتفيد الإحصاءات بدخول نحو 37 ألف شاحنة مساعدات من «باب الهوى» منذ عام 2014. وبعد سيطرة «النصرة» على المعبر في عام 2017، فرض الجولاني آليته الخاصة لتوزيع المساعدات على المنظّمات المانحة، إذ يحصل تنظيمه على حصّة وصلت أخيراً إلى 35% من أيّ كمّية مساعدات تدْخل الأراضي التي يسيطر عليها، بحجّة توزيعها من قِبَل «حكومة الإنقاذ» التابعة له. وبحسب مصادر محلية تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن «القوّة الأمنية» التابعة لـ«تحرير الشام» تُرافق شاحنات الإغاثة نحو مستودعات في مدينة سرمدا الواقعة في ريف إدلب الشمالي، ومن هناك تتّجه بعض الشاحنات بالكمّية المتّفق عليها مع «الإنقاذ» نحو مستودعات الجولاني، ليتمّ توزيع كمّيات منها على المقاتلين الأجانب، فيما يباع الجزء الأكبر في الأسواق ليُحقّق واردات إضافية لـ«الهيئة». وتعتمد الأسواق في إدلب على تجّار «تحرير الشام» في تأمين المواد الأساسية، حيث لا يُسمح بمرور أيّ كمّية من أيّ مادّة يحتكرها أحد المقرّبين من الجولاني، فيما مَن يجرؤ على مخالفة ذلك تبْقى بضاعته عالقة عند المعبر، من دون أن تكون ثمّة طريقة لإدخالها إلّا عبر التفاوض المباشر مع التاجر المتخصّص الذي يقدّم نسبة من أرباحه لـ«الهيئة»، مقابل حصوله على الحماية وحق الاحتكار.
سرمدا... «عاصمة» دائمة
يعمل الجولاني على تعزيز سيطرته على منطقة الشمال الغربي من سوريا، من خلال بناء «مدينة صناعية» في منطقة باب الهوى - التي تُعدّ من المناطق البعيدة حالياً عن احتمالات المعارك -، بهدف استقطاب أصحاب رؤوس الأموال من تركيا، ما يتيح له جنْي مكاسب سياسية واقتصادية إضافية. وإلى جانب «باب الهوى»، تأتي مدينة سرمدا التي تشكّل مع المعبر وحدة اقتصادية متكاملة تربط بين النظام المصرفي الدولي من بوّابة المصارف التركية من جهة، وخزائن «تحرير الشام» وغيرها من التنظيمات المتطرّفة من جهة أخرى. وقد فرض موقع هذه المدينة، البعيد عن مسرح الأعمال القتالية أيضاً، والقريب من الحدود مع تركيا، نفسه في حسابات العمليات التجارية، خاصة في قطاعَي المال والمحروقات. إذ تنشط شركات تحويل الأموال والبناء فيها بكثافة لتُحقّق للجولاني وخصومه على حدّ سواء، منفعة اقتصادية كبرى. ولذا، لم يفرض زعيم «تحرير الشام» سطوته الأمنية على هذه المدينة حرصاً منه على سلامة العمل في الأسواق وعدم الإضرار بمصالحه، حتى لو كان في الأمر مصلحة لخصومه من بقيّة التنظيمات مثل «حراس الدين»، أو من الشخصيات المتطرّفة مثل «أبو مالك التلي». وهكذا، تحوّلت سرمدا إلى منطقة تجارة حرّة بتغطية من الحكومة التركية، التي سهّلت أيضاً التوسّع العمراني في المدينة، ما دفع الجولاني إلى الاستثمار في الأخيرة عقارياً من خلال سلسلة من المباني، الأمر الذي ساهم بدوره في رفع عدد سكّان سرمدا إلى نحو 250 ألف شخص، بعدما كان يقارب الـ15 ألفاً فقط قبل بدء الحرب.