على جري العادة الحكومية بتسريب معلومات عن قرارات ينتظر صدورها، ثم نفيها وتأكيدها من دون حسم، خرج قانون «تنظيم التواصل على الشبكة ومكافحة الجريمة المعلوماتية» بعد أشهر من تسريب محتواه، بلا ضجيج أو انتقادات على المستوى الشعبي.
القانون الذي تم العمل عليه لمدة عام من قبل وزارة الاتصالات بالتعاون مع وزارتي العدل والداخلية ألغى القانون السابق والصادر قبل 10 سنوات؛ ويعلّق وزير الاتصالات السوري إياد الخطيب، على هذا بالقول إن «من الضروري مواكبة التطورات التقنية الجديدة للحد من التجاوزات المسيئة على الشبكة التي تؤثر سلباً في الدولة والمجتمع»، من خلال إضافة مواد جديدة للقانون وتعديل بعض من القديمة.
وتغطي بعض المواد التي استحدثت في القانون الجديد «الجرائم الواقعة على الدستور، جرائم النيل من هيبة الدولة، جرائم النيل من مكانة الدولة المالية»، وهي مواد توقف عندها كثيرون لطبيعة تلك «الجرائم» «الفضفاضة»، بخاصة أن عقوبة مرتكبها هي السجن حتى خمس سنوات وغرامتها المالية قد تصل إلى عشرة ملايين ليرة سورية!

المحامي الأستاذ عارف الشعال، يرى أن القانون له منطقه السليم «فهو بالأصل صدر لينظم النواحي الفنية للتواصل على الشبكة وليغطي الظواهر والمستجدات الجديدة». ويوضح في حديثه إلى «الأخبار» أنه حتى لو طرح القانون مواد يراها المواطن العادي غير قابلة للقياس فإن «ضمانة الحريات هو القاضي النزيه والمستقل، وحتى لو كان النص سيئاً فإن الدستور أوكل لضمير القاضي حسن تطبيق القانون، بالتالي نهتم كقانونيين بأن يكون القضاء مستقلاً عن تغوّل السلطة التنفيذية ووزير العدل فيه، أكثر من اهتمامنا بجودة النص القانوني».

«نقد موضوعي»
صان السوريون ألسنتهم بعد صدور القانون الجديد، فتجنب أغلبهم خوض الحديث عما لا يعجبهم من تفاصيله، لشعورهم بأن تطبيق القانون شكلٌ من أشكال تقييد الحريات، وخوفاً من عدم قدرتهم على التمييز بين النقد المسموح والتهكم الممنوع، رغم تصريح الدكتور محمد خير العكام (عضو مجلس الشعب) بأن «القانون لا يؤثر في الحريات الفردية، وإنما هو وسيلة لتنظيمها وضبطها بحيث لا تضر بالآخرين من أفراد أو مؤسسات الدولة». ويرى العكام أنه «من حق المواطنين انتقاد الحكومة نتيجة الأوضاع الصعبة التي يعيشونها، لكن بنقد موضوعي والحذر من نقل الأخبار الكاذبة».

أما الأستاذ الشعال فيخشى من إثارة إشكالات تتعلق بحريات النقد والرأي والتعبير بسبب بعض مواد القانون الجديد كجرائم الواقعة على الدستور والنيل من مكانة الدولة المالية والنيل من هيبة الدولة التي نص عليهما القانون الجديد، فيقول: «كنت أتمنى ألا ينص القانون الجديد على هذه الجرائم الثلاث، وتركها لقانون العقوبات العام، وأرجو أن تلغى بأقرب فرصة».

وعن «المادة 28» من قانون الجريمة المعلوماتية التي تتعلق «بالنيل من هيبة الدولة»، يؤكد الشعال تحفّظه على هذه المادة لسببين، الأول أنها لم تتضمن معيار أن يكون الفاعل (على بينة من الأمر) أي يعلم أنه ينشر خبراً كاذباً، وبذلك يستثنى من العقاب النشر عن طريق الخطأ «مما قد يطاول بالعقوبة الشديدة أشخاصاً نشروا عن حسن نية خبراً غير صحيح بطريق الخطأ، وهم ليسوا على هذه الدرجة من الجحود لوطنهم»، والسبب الثاني إن «هذا الجرم يعد جناية إذا ارتكب إلكترونياً بينما يعتبره قانون العقوبات العام إذا ارتكب بوسائل عادية جنحة».

للمشارك «جُرم» الناشر
الإعلاميون أيضاً وقفوا على الحياد في الصفحات الزرقاء، ولم يبدوا آراءهم التي طالما كانت تتصدر المشهد في كل مناسبة من هذا النوع. فقانون الجريمة المعلوماتية سيحاسبهم كمواطنين وليس كإعلاميين عندما يكتبون في وسائل التواصل الاجتماعي، فيما يترك لقانون الإعلام محاسبتهم في الوسائل الإعلامية التي يعملون فيها.

ليس ذلك وحسب، فهناك جرائم يحاسب عليها المواطن والصحافي على حدٍ سواء في حال التفاعل إلكترونياً مع المنشور الذي يعتبر «جريمة»، وهو المنشور الذي يتضمن عبارات «تمس هيبة الدولة أو الوحدة الوطنية، تحض على الكراهية والعنف والتفرقة، أو الإساءة لأحد الأديان والمقدسات»؛ وبنظر القانون الجديد في «المادة 35» من يستعمل خاصية المشاركة يعامل معاملة الناشر من حيث التجريم والعقاب، أما الإعجاب بـ«المنشور الجريمة» فلا يعتبر جريمة حتى لو كان «أحببته»!

القدح والذم والتحقير إذا ارتكب إلكترونياً حتى لو بشكل غير علني، يُعاقب بغرامات مالية تصل إلى ثلاثمئة ألف ليرة سورية.

وبالمقارنة بين عقوبة «الذم الإلكتروني» وفقاً لقانون الجريمة الإلكترونية والذم في القوانين السورية الأخرى، نجد أن شتم أحدهم على مواقع التواصل الاجتماعي مكلف أكثر من الشتم في الواقع أو عبر وسائل الإعلام.

وبرأي الشعال فإن «الغرامات التي فرضها القانون مرتفعة كثيراً عن نظيرتها في قانون العقوبات العام، ولكن لها مبرر في ظل انخفاض قيمة العملة لتشكل رادعاً يمنع ارتكاب الجريمة».