الحسكة | في وقت كانت فيه القوات الروسية تستقدم المزيد من التعزيزات إلى بلدة عين عيسى، وترفع السواتر الترابية لحماية البلدة من أيِّ هجوم تركي محتمل، سرّبت وسائل إعلام عن ضابط أميركي كبير، معلومات عن انسحاب الآلاف من وحدات المشاة الروسية وسلاحَي الهندسة والطيران الروسيَين من سوريا. واللافت في تسريبات الضابط الأميركي أنّه حدّد نطاق الانسحاب بقاعدة حميميم الجوية في اللاذقية، ومناطق في شمال وشمال شرق البلاد، وهو ما فتح المجال أمام قراءات ميدانية متعددة لهذه الأنباء. ونقلت قناة «سكاي نيوز» عربية عن المسؤول في «البنتاغون» قوله إن «وزارة الدفاع الروسية أبلغت الحكومة السورية خططها بالانسحاب، وتسعى الأخيرة إلى ملء الفراغ الروسي من خلال إرسال وحدات قتالية غير نظامية، منها ما هو تابع للحكومة وأخرى مدعومة من الحرس الثوري الإيراني، لتفعيل تواجدها في الشمال والشمال الشرقي استعداداً لاحتمال حصول تغيّرات أمنية ميدانية». في المقابل، يبدو أن موسكو رأت في التصعيد التركي الأخير فرصة للردّ على الحملات الإعلامية الأميركية والغربية ضدّها، من خلال اتّخاذ جملة من التدابير الميدانية الهادفة إلى تعزيز وجودها في مناطق الشمال والشمال الشرقي تحديداً، عبر إرسال المزيد من التعزيزات البرية وحتى الجوية. وبالفعل، نفذت موسكو، خلال اليومين الفائتين، طلعات جوية واسعة للطيران الحربي والمروحي والمسيّر على امتداد الشريط الحدودي مع تركيا، عبر ستّ مروحيات وطائرتين حربيتين، توازياً مع تسيير دوريات على الأرض، شارك فيها الجيش السوري لأوّل مرة منذ نحو عامين، في مدينة الدرباسية وصولاً إلى أطراف رأس العين في ريف الحسكة.
واختارت روسيا منطقة شمال وشرق سوريا تحديداً للاستعراض العسكري، لأكثر من اعتبار، أوّلها كون المنطقة متاخمة ومتداخلة مع مناطق التواجد الأميركي، وهذا سيبعث برسائل ميدانية مباشرة إلى واشنطن تثبت أن حضور موسكو العسكري في سوريا مستمر، بعيداً عن الشائعات المغايرة لذلك، وأن روسيا تعارض أيّ تحرك تركي محتمل في مناطق تعدّ هي فيها ضامناً لوقف إطلاق النار. ولعلّ الحزم الذي أبدته القوات الروسية تجاه النوايا التركية بشنّ عملية عسكرية جديدة، دفع بمجلس الأمن القومي التركي إلى إصدار بيان إعلامي لم يحدّد مكان العملية المفترضة أو زمانها، على رغم استمرار الحملات الاستعراضية والإعلامية عن حشود تركية على الحدود، هي غير موجودة على أرض الواقع حتى الآن. وفي الاتجاه نفسه، واصل وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، تصريحاته التي تعبّر عن تريث تركي في تنفيذ الهجوم، من خلال التأكيد أن «بلاده تلقت وعوداً أميركية وروسية لإبعاد الوحدات الكردية مسافة 30 كم عن الحدود الجنوبية». وأضاف أنه «إذا زادت التهديدات علينا ستقوم باتخاذ التدابير اللازمة».
الوجود العسكري في شرق الفرات، لم يطرأ عليه أيّ تغيير


وفي السياق نفسه، نقلت مواقع إعلامية كردية تصريحات عن ضابط روسي في القاعدة الروسية في بلدة الوحشية في ريف حلب الشمالي، أكد فيها أن «روسيا لن تسمح لتركيا بشنّ عملية عسكرية جديدة شمال سوريا». بدوره، يؤكد مصدر مقرب من القوات الروسية في المنطقة الشرقية، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «الوجود العسكري في شرق الفرات، لم يطرأ عليه أيّ تغيير، والقوات العسكرية المتواجدة هناك تمارس نشاطها الاعتيادي في المنطقة، بدليل تنفيذ دوريات جوية وبرية عديدة قبل وبعد التهديد التركي بشنّ عملية عسكرية جديدة». ويضيف المصدر أن «الضباط الروس يؤكدون أن العملية العسكرية في أوكرانيا لن تؤثر على التزامات روسيا في سوريا»، معتبراً أن «كلّ الأنباء التي تروج لانسحاب القوات الروسية من سوريا، تندرج في إطار الحرب الإعلامية ضد موسكو». ولفت إلى أن «الجهود الروسية أثمرت مؤخراً إنهاء حصار قسد لأحياء في الحسكة والقامشلي، واستمرار تدفق المياه إلى السكان من محطة علوك، مع تسهيل اجتماعات لإنجاز اتفاق بخصوص التعليم الجامعي في الحسكة، مع استمرار تنفيذ غارات جوية ضد تحركات داعش بالبادية».
ولم تكتفِ موسكو بالرد الميداني، بل جاء الردّ الدبلوماسي عبر تأكيد وزير الخارجية، سيرغي لافروف، في تصريحات إعلامية، أن «القوات الروسية باقية في سوريا لأنّها موجودة هناك بطلب من حكومتها الشرعيّة ... ونحن نؤدي المهام التي حددها مجلس الأمن في القرار 2254، وسنلتزم بهذا الخط في المستقبل أيضاً».
وأضاف: «سندعم القيادة السوريّة في جهودها لاستعادة وحدة أراضي الجمهورية العربية السورية بشكل كامل، لأنه لا تزال هناك وحدات من القوات المسلحة للدول لم يدعها أحد، ولأنه حتى الآن، على سبيل المثال، الجيش الأميركي الذي احتلّ جزءاً كبيراً من الضفة الشرقية لنهر الفرات، ينشئ بشكل علني تشكيلات شبه دولة هناك، ويشجع الانفصالية بشكل مباشر، مستخدماً لهذا الغرض مزاج جزء من السكان الأكراد في العراق».