الحسكة | لا يكتفي الجيش التركي بالاستهداف اليومي لمناطق سيطرة «قسد» في مدن الشريط الحدودي وبلداته، بل عمد، أخيراً، إلى إعادة استخدام ورقة المياه مجدّداً، بهدف مضاعَفة الضغوط المسلَّطة على «قسد»، التي تريد أنقرة إجبارها على الانسحاب من الحدود بعمق 30 كيلومتراً. وسمحت تركيا، مجدّداً، للفصائل المسلّحة الموالية لها، بالتعدّي على خطّ الكهرباء الممتدّ من محطّة الدرباسية، في اتّجاه محطّة علوك الواقعة على بُعد 5 كيلومترات شرقيّ مدينة رأس العين، بالإضافة إلى الاستجرار من خطّ المياه الواصل إلى تل تمر وأبو رأسين، بهدف سقاية المزروعات ضمن الأراضي التي استولت عليها هذه الفصائل، إثر تهجير المدنيين من قراهم وبلداتهم. والظاهر أن أنقرة تحرص على إفادة الجماعات الموالية لها من الوارد الاقتصادي الناتج من زراعة محصول القطن والخضروات الصيفية، لتكون مصدر دخل إضافي لها، في ظلّ تدنّي قيمة الرواتب التركية المُخصَّصة لهؤلاء المقاتلين.على أن الأتراك حرصوا، هذه المرّة، على عدم قطْع المياه بشكل كامل، بهدف تجنُّب إثارة الموضوع في المحافل الدولية، أسوةً بما حصل في المرّات الثلاثين السابقة التي سُجّلت منذ استيلاء تركيا على المحطّة بعد احتلالها مدينة رأس العين في عام 2019، وكان أطولها في صيف العام الفائت، حين حُجبت المياه لنحو 90 يوماً متتالية. في المقابل، أدّى الإجراء التركي الأحدث غير المعلَن إلى خفْض الوارد المائي من محطّة علوك في اتجاه الحسكة، إلى مستويات متدنّية جدّاً، ما تسبّب بخلْق أزمة جديدة في المدينة وأريافها، في ظلّ الارتفاع الشديد في درجات الحرارة. وحاولت «قسد» استيعاب الضغط التركي الحالي، من خلال الامتناع عن قطع الكهرباء عن المحطّة بشكل كامل، فضلاً عن التنسيق غير المباشر مع الحكومة السورية والروس، وتخويل الأخيرين مُفاوضة الأتراك لحلّ المشكلة، وإعادة المحطّة إلى طاقتها الاعتيادية.
حرص الأتراك على عدم قطْع المياه الواردة من المحطّة بشكل كامل، بهدف تجنُّب إثارة الموضوع في المحافل الدولية


وتؤكد مصادر مطّلعة على مسار المفاوضات، لـ«الأخبار»، أن «الجانب التركي يراوغ ويمنع العمّال الحكوميين في محطّة علوك من الدخول إليها منذ أكثر من أسبوعين، وهو ما أدّى إلى خروج عدد من الآبار والمضخّات من الخدمة»، موضحةً أنه «على رغم مرافقة الدوريات الروسية للورشات الحكومية منذ مطلع الأسبوع الحالي، ولثلاثة أيّام متتالية، لتأمين الدخول إلى المحطّة وإزالة التعديات، إلّا أن ذلك لم يحصل حتى الآن». وتشير المصادر إلى أن «الجانب التركي يتذرّع بعدم وجود ظروف أمنيّة مناسبة للدخول إلى المحطّة»، متوقّعة أن لا يستقرّ الضخّ إلّا بعد انتهاء موسم سقاية القطن، في مطلع شهر أيلول المقبل. من جهته، يلفت المدير العام لمؤسّسة المياه في الحسكة، محمود العكلة، لـ«الأخبار»، إلى أن «هناك تعدّيات كبيرة على خطّ جرّ المياه الوارد من المحطّة، وخطوط الكهرباء الواصلة إليها، ما أدّى إلى عمل المحطّة بأدنى طاقة لها، وعدم وصول المياه إلى أحياء وسط المدينة لليوم الـ 24»، مؤكداً أن «الضغط الحكومي مستمرّ لإدخال ورشات مؤسّسة المياه إلى المحطّة، وصيانتها وإصلاح الأعطال، وتشغيلها مجدّداً». وبحسب العكلة، فإن «المؤسّسة حصلت أخيراً على دعم من عدّة منظّمات دولية، أبرزها الصليب والهلال الأحمر، لإجراء صيانة شاملة لكل الآبار والغواطس والمضخّات، بما سيؤدّي إلى استقرار معمل الكهرباء، والاستفادة بأكبر طاقة ممكنة»، مرجّحاً أن «تنجح الجهود الحكومية - الروسية المشتركة في إعادة تشغيل المحطّة بطاقتها المعتادة خلال وقت قصير».