تتواصل النقاشات في تركيا حول اتجاه العلاقات مع مصر وسوريا، في موازاة التوتّر في العلاقات التركية - الأميركية، على خلفية دعْم واشنطن للأكراد. ويسود مناخ عام من الترقُّب لخطوات الحكومة، ولا سيما تهديدات الرئيس رجب طيب إردوغان المتكرّرة بشنّ عملية عسكرية في سوريا، ومستقبل العلاقات مع القاهرة أو دمشق، وما إن كان ذلك يشكّل بدايةَ تحوُّل جديّة، أم أنه استمرار لخطوات تثبيت الاحتلال التركي في سوريا، وبناء المستوطنات، والمطالبة بالحُكم الذاتي لهذه المناطق. ويرى برهان الدين دوران، المقرّب من إردوغان، في صحيفة «صباح»، أن إظهار ما يصفه بـ«القوّة الخشنة والصارمة» في سوريا والعراق وليبيا وشرق المتوسط، «نجح»؛ لهذا، «كان من الضروري أن يُصار، بعد ذلك، إلى التطبيع لتعزيز المكاسب». ويقول إن «الغرب يتجاهل مصالح تركيا، ولا يمكن أن يُقنعها أنه يريد محاربة داعش، وهو ما دفعها إلى ممارسة سياسة «الحكم الذاتي» داخل الناتو»، وهو ما أتاح لها «فرْض شروطها الخاصّة داخل الحلف، بالنسبة إلى عضويّة كل من فنلندا والسويد، كما اتّباع سياسة متوازنة في أوكرانيا». ويضيف، في هذا المجال، أن «الطريقة الصحيّة والدائمة لإعادة تأهيل العلاقات مع الغرب، هي من خلال قبوله بالواقع الجديد لتركيا».في الإطار نفسه، يكتب إبراهيم كيراس، في «قرار»، أن «الحركة المعادية لأميركا تطوّرت تدريجيّاً في بلادنا منذ الستينيات، وقد تبنّتها الجماعات الاشتراكية أوّلاً، ومن ثم الإسلاميون والقوميّون، وأصبحت إحدى السمات المهمّة للمجتمع التركي». والمفارقة، بحسب الكاتب، أن «لدينا نظاماً أمنياً مشتركاً مع الغرب بسبب التهديدات والمصالح المشتركة». ومع ذلك، فإن «الغالبية العظمى من المجتمع والأدباء والمثقّفين تحمل أفكاراً معادية للولايات المتحدة»، وهو ما عكسَته وسائل الإعلام المؤيّدة للحكومة، بالقول إن العملية العسكرية التركية في شمال سوريا والعراق «أَطلقت النار على أقدام الولايات المتحدة»، وعبّر عنه أيضاً وزير الداخلية برفضه رسالة التعزية الأميركية. ووفق كيراس، فإن «تركيا تشعر بالقلق من الدعم الأميركي للأكراد في سوريا، والدعوة إلى إنشاء دولة لهم هناك، ما يمثّل موقفاً مشتركاً لكلّ مَن سيصل إلى السلطة في تركيا». لكنّ الكاتب لا يتّفق مع الحكومة بتجاهُل الدعم الروسي للأكراد، حيث فتحت روسيا مكتباً لهم في العاصمة موسكو. ويذكّر كيراس بأنه «على رغم المواقف الغربية المعادية لتركيا، إلّا أن أنقرة لم تفكّر في الخروج من المنظومة الأمنية الغربية، لأن العلاقة ليست عاطفية بل عقلانية».
في المقابل، ينتقد مصطفى قره علي أوغلو، في مقالة بعنوان «سياسة صفر»، مواقف إردوغان من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وتوظيفها في السياسات الداخلية، إذ إن «تطبيع العلاقات مع مصر، كما مع الإمارات والسعودية وإسرائيل، هدفه توظيفها في السياسات الداخلية. والآن يُراد الشيء نفسه مع سوريا». والمسألة، بحسبه، ليست في أن «اليوم هو غير الأمس»، بل في أنه ليست لتركيا سياسة خارجية واضحة ومحدَّدة. فـ«العلاقة الجيّدة مع دولة ما، لم يَعُد واضحاً معناها»، على حدّ تعبير قره علي أوغلو، الذي يرى أنه «يمكن إقامة علاقات جيّدة قائمة على الثقة مع دولة مثل أذربيجان، ولكن ليس مع قطر وروسيا.»، لافتاً إلى أن «أخطاء السياسة الخارجية تجعل تركيا تخسر في ملفّات اليونان وقبرص وسوريا وشرق المتوسط». من هنا، فإن «المصافحة من دون هدف ليست سياسة ولا تعني أنّنا نسير إلى الأمام. نحن نحتاج إلى تحديد أهدافنا، وإلّا فبعد أيام نخرج ونقول: أحنَيْنا رأسنا وتراجعنا خطوتَين إلى الوراء وتصالحنا. وما الضير في ذلك؟».
استراتيجية الأمن القومي التركية هي نسخة عن استراتيجية أميركا بعد أحداث 11 أيلول


من جهته، يقول مراد يتكين إن إردوغان رسم استراتيجية أمن جديدة لتركيا تتمثَّل في مواجهة التهديدات خارج الحدود، وتدميرها. وهي استراتيجية بدأت، وفق الكاتب، «بعد محاولة الانقلاب في 15 تموز 2016، وبعدها بدأت عمليات درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام». أمّا مؤشّرات تزايُد العمليات العسكرية خلف الحدود، فكانت مع بدء تركيا، منذ عام 2016، بناء جدار باطون وأسلاك شائكة على الحدود مع سوريا. مع هذا، «تغيّرت الهرميّة العسكرية، وأصبح قادة القوات المسلّحة تابعين لوزير الدفاع وليس لرئيس الأركان، وهذا كان أمراً مهمّاً بعدما كان هيكل الجيش شبه مستقلّ منذ انقلاب 1961». ويرى يتكين أن «نقطة البداية في افتراق تركيا عن الولايات المتحدة، كانت معركة كوباني 2014، وتفضيل أميركا الأكراد على تركيا». ويسرد يتكين بعض محطّات الخلاف مع واشنطن، بالقول إن «دونالد ترامب استبعد تركيا من مشروع طائرات «إف-35»، وبدأ يضغط على الليرة التركية». لهذا، فإن «استراتيجية الأمن القومي الجديدة لإردوغان بتدمير العدو خارج تركيا، هي نسخة عن استراتيجية الولايات المتحدة بعد أحداث 11 أيلول 2011. فأميركا تبني جداراً مع المكسيك وتركيا تبني آخر مع سوريا».
وفي «ميللييات»، يتساءل تونجا بينغين عمَّا إن كانت أميركا عدوّاً لتركيا أم لا، قائلاً إن «أنقرة تقاتل في سوريا ضدّ واشنطن وموسكو، ومن دون الأخيرتَين لا يمكن القيام بعملية عسكرية». ويضيف أن تركيا «تتّبع ديبلوماسية الصبر، فلو كانت روسيا وأميركا نفّذَتا اتفاقاتهما معها، لما كان هناك مسلّحون أكراد في شمال سوريا». ويرى بينغين أن «ادّعاء الولايات المتحدة أنها تقاتل ضدّ داعش، هراء أو غطرسة. فهي التي تَستخدم داعش لتغيير خرائط المنطقة، ولفتح مساحة إرهابية لمقاتلي حزب العمال الكردستاني». ويقول إن «العملية العسكرية التركية قائمة، وهي مسألة وقت. إنها مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى تركيا، لذا عليها أن تعمل على السيطرة بشكل نهائي على المنطقة من إدلب إلى حاقورق على الحدود الإيرانية».
ويشكّك أورخان بورصه لي، في «جمهورييات»، في رغبة إردوغان المصالحة مع السيسي والأسد، للأسباب التالية:
- «أسّس إردوغان الجيش السوري الحر لتدمير الأسد، لكنه لم ينجح. فلجأ إلى تأسيس الجيش الوطني التركي. تصوّروا أن سوريا قامت بفعل ذلك في تركيا...
- يسيطر إردوغان تقريباً على كامل الشريط الحدودي مع سوريا، بعمق يبلغ بين 15 إلى 30 كيلومتراً، حيث تنتشر جماعات مسلّحة معادية للحكومة السورية. سيقول إردوغان للأسد: إنّني أدافع عن وحدة سوريا. هل هذا معقول؟ لنفترض أن الأسد قال له: تعال لنتعاون ضدّ الأكراد والجماعات المسلّحة، ولِيَنْسحب الجيش التركي من سوريا، فهل سيتجاوب أم سيقول إنه يجب منْح الأراضي، حيث الجيش الوطني، حكماً ذاتيّاً؟ هل يمكن تصديق أن إردوغان سيَسْحب جيشه من سوريا، وفي هذه الظروف؟
- إردوغان لا يريد لقاء الأسد، وإلّا لِمَ تأجيل اللقاء إلى ما بعد الانتخابات؟هذا يعني المزيد من التصعيد وبناء المستوطنات في سوريا الخاضعة لـ«الوطني» وللجيش التركي.
- مثل هذه السياسة التركية تساعد الولايات المتحدة على تفكيك سوريا. وربّما هذا هو المطلوب».