يستمرّ الكونغرس الأميركي في سنّ القوانين الهادفة إلى تصعيد «الضغوط القصوى» الممارَسة على سورية، في سياسة مستدامة منذ عام 1970. آخر الخطوات على هذا الطريق، هي «قانون مكافحة الكبتاغون»، الذي من المفترض أن يقرّه الكونغرس ويوقّع الرئيس جو بايدن قريباً عليه، بعد عبوره مجلس النواب ولجنة القوات المسلّحة لمجلسَي النواب والشيوخ. وفيما تغرق سوريا، مع غياب الحلول السياسية، في مأساة اجتماعية واقتصادية هائلة، وهبوط حادّ في سعر العملة الوطنية جرّاء الحصار الأميركي الخانق وفقدان الموارد، يشكّل القانون مادةً جديدة لتشديد الخناق على الشعب والاقتصاد السوريَين، في ظلّ الحديث بشكل علني عن ضرورة منْع الحكومة من الحصول على القَطع الأجنبي، بذريعة تحوّل سوريا إلى «دولة مخدّرات». وتبدو الدعوات الصادرة عن نواب وسيناتورات أميركيين، فضلاً عن بعض وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث، لإعلان سوريا «دولة مخدرات»، مُشابِهةً للحملة التي استهدفت يوغوسلافيا السابقة، بعد إضعافها بتزكية نيران الحرب في البلقان، وقبل تدميرها بعدوان مباشر من حلف «الناتو»، وتفكيكها إلى دويلات. كما أن هذه السياسات لا تختلف عن تلك المتّبَعة مع دول أميركا اللاتينية التي لا تخضع للمشيئة الأميركية.القانون الذي بُنيت استراتيجيته من ستّة بنود، يستند إلى التقارير الآتية من دول جوار سوريا، وإلى مجموعة من المواد الصحافية والإعلامية التي أسهمت طوال المرحلة الماضية في شيطنة هذا البلد، وتكريس اتّهام الدولة السورية و«حزب الله» بتغطية مختبرات إنتاج مادة الكبتاغون، وتهريبها إلى الخليج العربي ومصر، وحتى إلى أوروبا. باختصار، تشكّل البنود الستّة استراتيجية أمنية وسياسية واقتصادية متكاملة للتغلغل أكثر في محيط سوريا، وتطويقها وقطْع المواد الأوليّة عنها، بذريعة تفكيك «البنية التحتية لشبكات الكبتاغون للنظام السوري». ويكلّف القانون الإدارات الأميركية الأمنية المتعدّدة، تقديم الدعم والتعاون الأمني والديبلوماسي للجهات المعنية في دول الجوار السوري، ومساعدة وكالات مكافحة المخدّرات فيها على التطوّر وتقديم التدريب والدعم المادّي لها، واستهداف شخصيات وكيانات بالعقوبات، وممارسة الضغوط الاقتصادية على دمشق بالتعاون مع مؤسّسات وشركاء دوليين، وشنّ الحملات الإعلامية ضدّ الحكومة السورية. وبينما يضع القانون مهلة 180 يوماً أمام الإدارات التنفيذية لإنجاز استراتيجية تطبيق القرار الأميركي قبل عرضه مجدّداً على الكونغرس، يَظهر أن الخطوات العملية قد بدأت بالفعل.
وكانت الحملة الإعلامية سبقت مشروع القانون بكثير، وانخرطت فيها العديد من وسائل الإعلام العالمية والعربية، في خطوات ممنهجة لربط تجارة الكبتاغون بأخصام الولايات المتحدة في سوريا، وخلْق غيمة من التشويه ضدّ شخصيات سورية. أمّا مسألة التعاون مع وكالات مكافحة المخدرات والإدارات الأمنية في محيط سوريا، فهذا الأمر يجري بشكل منتظم مع الأردن ولبنان والعراق والدول الخليجية. والدعم العسكري والاستخباراتي الأميركي للأردن يشتمل، ضمن ما يسمّيه الأميركيون خطّة طرْد إيران من الجنوب السوري، «مكافحة المخدرات»، وقد سبق للأردن أن أعلن مراراً توقيف مهرّبين على الحدود مع سوريا. أمّا في لبنان، فيزداد التواصل الأميركي والدعم للأجهزة الأمنية، فيما وسّعت إدارة مكافحة المخدرات الأميركية، وهي وكالة لإنفاذ القانون تابعة لوزارة العدل، اهتمامها بمكتب مكافحة المخدرات المركزي في بيروت، انطلاقاً من مكتبها الدائم في قبرص. وعلمت «الأخبار» أن الدعم المادّي الأميركي للمكتب سيُستأنف قريباً بعد توقّفٍ سبّبته اتهامات للأخير بحالات تعذيب تَبيّن أنها حصلت في مكاتب أخرى. في المقابل، سبق للمندوب السوري لدى مكتب الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى في فيينا، السفير حسن خضور، أن أعلن أمام لجنة المخدرات في الأمم المتحدة في آذار الماضي، أن مشكلة المخدرات قد تنامت في سوريا بفعل سيطرة التنظيمات الإرهابية المدعومة من عدّة دول على بعض المناطق الحدودية، الأمر الذي خلق مناخاً ملائماً لنقل المخدرات وترويجها، ووفّر عوائد مالية ضخمة لتلك التنظيمات، مؤكّداً أن الجماعات الإرهابية تبتكر دائماً طرقاً للتهريب وهي تمتلك تقنيات. وطلب السفير السوري تعاوناً دولياً مع بلاده وتبادلاً دائماً للمعلومات، وتوفير القدرات الفنية والتجهيزات المخبرية وأجهزة الكشف على المعابر الحدودية.
وعلى الرغم من أن الاستراتيجية التنفيذية للقانون العدائي الجديد ضدّ سوريا لم تتضّح بعد، وما إذا كان يتضمن توجيه ضربات عسكرية أو أعمالاً تخريبية أمنية بذريعة مكافحة المخدرات، عبّر عدد من المعارضين السوريين عن اعتراضهم على القانون كونه لا يتضمن خطوات عدائية أكثر وضوحاً ضدّ سوريا. لكن يجري حديث بالهمس يردّده مقرّبون من الأميركيين في بيروت، عن أن هناك نوايا لشنّ هجمات مجهولة الهويّة ضد مواقع لـ«إنتاج المخدرات» في سورية. إزاء ذلك، يلفت مصدر حكومي سوري، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «هناك دائماً ذرائع كاذبة للاعتداء على سوريا كما يحصل من قِبل العدوّ الإسرائيلي»، مؤكّداً أن «الأجهزة السورية تسعى بكلّ قوتها لمكافحة المخدرات، وسوريا تاريخياً هي دولة عبور، إنّما بسبب الحرب استغلّت العصابات الإرهابية والجنائية المعارك العسكرية وانشغال الدولة بالحرب لتقوم بالترويج والتهريب والتصنيع، وبعضها يتلقّى دعماً غربياً وفي مناطق تحت سيطرة الأميركيين، لكن الدولة تستعيد قوتها وتعمل على ضرب هذه الأوكار وتحتاج إلى المساعدة والتعاون مع الدول الصديقة وليس إلى الحصار».
وعدا عن تبرير التجسّس على سوريا، وتعميق التدخّل في دول الجوار، يضع القانون بعض المواد الأوليّة اللازمة لصناعات عدة، لا سيّما الأدوية، تحت حصار جديد، من شأنه إضافة مأساة أخرى إلى مآسي الأزمة الطبّية الهائلة في هذا البلد. إذ أشار أكثر من تقرير غربي وعربي، ضمن الحملة الأميركية، إلى أن بعض المواد المصنّعة يتمّ استيرادها إلى سوريا من الصين والهند، وهي بمعظمها مواد تدْخل في الصناعات الدوائية، القطاع الذي تعرّض لنكسة كبيرة خلال الحرب ولتدمير مقصود من قِبَل الجماعات المسلّحة.