لم تكن الحال في مناطق سيطرة المعارضة السورية، بأفضل ممّا هي في بقيّة المناطق المنكوبة. فالاستجابة التي تقدّمها الجهات المدنية التابعة لـ«الائتلاف السوري»، تبدو عاجزة عن تقديم الإغاثة والدعم بالقدر الكافي للمتضرّرين كلياً أو جزئياً. ولمّا كانت هذه الجهات تتّكئ عادة على مؤازرة المؤسّسات الصحية والمدنية التركية العاملة في شمال سوريا، فإن الأخيرة ظهرت أمس مشغولة بـ«مصيبتها»، من دون القدرة على تقديم أيّ معونة جدّية للمدن والبلدات التي تحتلّها القوات التركية. وبحسب مصادر «الأخبار» في إدلب، فإن عدد المباني التي انهارت بشكل كلّي بلغ 133 مبنىً، وتلك المتضرّرة نحو 272 بشكل جزئي، في ظلّ ارتفاع سريع في أعداد الضحايا، وبطء عملية الاستجابة الإنقاذية، نتيجة قلّة توافر المعدّات الثقيلة التي تُستخدم للإنقاذ في ظروف كارثة طبيعية مماثلة، فضلاً عن اتّساع الرقعة الجغرافية للمواقع المتضرّرة، وتناثرها على قرىً صغيرة ومخيّمات نزوح، وتجمّعات مستجدّة.أمّا في المناطق الحدودية الأقرب إلى تركيا، مثل مدن أعزاز وجرابلس وجنديرس وسرمدا، فكان الوقع الأشدّ للزلزال، حيث انهارت عشرات البيوت المبنيّة قديماً وحديثاً، وبشكل عشوائي خلال الحرب، على رؤوس ساكنيها. وتكاد مقاطع الفيديو الآتية من البلدة والبلدات المحيطة لا تُعدّ، لكن المشترك الوحيد بينها هو حجم المأساة التي عاشها السوريون أمس، وغالبيتهم من الذين نزحوا إلى أرياف حلب وإدلب، خلال الحرب التي شهدوا أهوالها وصنوف مصائبها. إذ دُفنت عائلات بأكملها تحت ركام المنازل التي بناها أصحابها كيفما كان، في أيام عصيبة، ليسكنوها بعدما شرّدتهم المعارك، وملّتهم خيام النزوح المتنقّلة من منطقة إلى أخرى.
ولئن عاشَ أهل هذه المناطق منذ سنوات، تحت سطوة وحكم «الائتلاف»، الذي قدم نفسه دولة «بديلة» مدعومة من أنقرة، فإن قياديين بارزين فيه، عمدوا، أمس، إلى إغلاق هواتفهم بعدما تثبّتوا من عجزهم عن تحصيل أيّ دعم تركي سريع في مواجهة الكارثة، بينما تنصّلت هيئات الإغاثة التركية من الاستجابة للنداءات الصادرة من شمال سوريا، بحجّة «عدم توافر كوادر كافية نظراً لما تشهده المناطق التركية المتضرّرة». وتقول مصادر سورية معارضة في تركيا، لـ«الأخبار»، إن قيادة «الائتلاف» رفضت مقترحاً من قبل إحدى الشخصيات الفاعلة فيه، «يقضي بالتواصل مع الجانب الروسي للبحث في إمكانية فتح المعابر مع المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية أمام المنظمات الأممية أو الهيئات الإغاثية»، التي تنشط في سوريا. وجاء الرفض بذريعة أن العرض يشكّل «تنازلاً مجانياً» لدمشق، في حين راهنت قيادة «الائتلاف» على أن متطلّبات الكارثة ستلقى استجابة من الدول الداعمة لمؤسّساته مثل فرنسا والولايات المتحدة. وعلى رغم عدم إشارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى أي مساعدة ستقدّمها بلاده للسوريين المتضرّرين، حتى في المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل المسلحة، خلال حديثه المطوّل عن توجيهه بـ«تقديم المساعدة الفورية إلى تركيا»، أشار وزير خارجيته، أنتوني بلينكن، عرَضياً، إلى أن «المنظّمات الإنسانية المدعومة أميركياً في سوريا تتعامل مع تداعيات الزلزال في أنحاء البلاد». ومن جهته، قال متحدث باسم الحكومة الألمانية، أن المساعدات إلى سوريا «يمكن إرسالها عبر منظّمات دولية غير حكومية»، من دون الإدلاء بمزيد من التفاصيل.
حصرت واشنطن التعاطف والمساعدات الموعودة بالجانب التركي فقط


وحتى مساء أمس، كانت «منظّمة الخوذ البيضاء» (الدفاع المدني في مناطق سيطرة الفصائل المسلّحة)، قد أعلنت ارتفاع عدد القتلى إلى 430 شخصاً وإصابة أكثر من ألف آخرين. ورجّحت تزايد الحصيلة مع «وجود مئات العائلات تحت الأنقاض، وسط صعوبات كبيرة والحاجة إلى معدّات ثقيلة للإنقاذ». وأحصت المنظّمة انهيار أكثر من 160 مبنى بشكل كامل، و330 بشكل جزئي، عدا عن تصدّع آلاف المباني في شمال غربي سوريا.