حلب | يبدو أن قدَر السيّدة الخمسينية، أنوار صرما، أن تعيش التشرُّد مرتين، كما تروي لـ«الأخبار»؛ مرّة حينما هُجِّرت منذ سنوات من بلدتها كفرتخاريم في ريف إدلب على أيدي المسلّحين، لتقصد مناطق السكن العشوائية في حلب، كون إيجارات البيوت أرخص هناك، وثانية عندما أَجبرها الزلزال على ترْك كلّ شيء خلفها، والهرب مع أفراد عائلتها قبل انهيار المبنى فوق رؤوسهم، نحو أحد مراكز الإيواء - وإنْ كانت تجد في ذلك حرجاً -. بِوقار المعلّمين، تحاول صرما طلب المعونة، خاصّة أنها تعاني من مرض السكري، وتحتاج بشكل دائم إلى تأمين «الأنسولين» الذي تحتفظ به في حقيبتها، خشية أيّ انتكاسة مفاجئة في صحّتها، فيما راتبها الضحل لا يكفي لشراء أدويتها.هكذا، يزداد حال مرضى الأمراض المزمنة والخطيرة صعوبة يوماً بعد يوم، مع امتلاء مراكز الإيواء بأعداد كبيرة منهم، وصعوبة تأمين الأدوية لهم، خصوصاً في ظلّ ارتفاع أسعارها، وخسارة العائلات أماكن سكنها و«شقا العمر» معها، وأيضاً نتيجة العشوائية في عمليات توزيع مستلزمات الإغاثة، ومنها المواد الطبّية والاستشفائية. وتعلّق ميادة عثمان، التي أتت بصحبة أولادها وأحفادها إلى أحد المراكز في حيّ المشارقة، على هذا الجانب أيضاً، بالقول: «سُوّي بيتنا بالأرض نتيجة الزلزال، والحمد لله استطعْنا النجاة بأرواحنا، وقصدْنا مركز الإيواء الذي لا يصلح للسكن... العائلات يجلس بعضُها فوق بعض، لكننا مجبَرون على التأقلم مع معاناتنا الجديدة، فبعد أن كنّا أصحاب بيوت، أصبحنا نطلب المعونة، يبدو أن قدَر السوريين العذاب والمعاناة». وتطلب عثمان المساعدة في تأمين أدوية القلب اللازمة لابنتها الأرملة التي تعاني مرض القلب، داعيةً الجهات الرسمية والقطاع الخاص والمنظّمات الخيرية إلى مساعدتها، وكلّ من يعاني من مرض خطير، عبر تأمين الأدوية اللازمة لهم.
تأمين الأدوية لجميع مُصابي الأمراض المزمنة، يبدو هدفاً صعباً في ظلّ تداعيات كارثة الزلزال


ولا يبدو أحمد، الشاب الثلاثيني من منطقة الصالحين المنكوبة، أفضل حالاً، حيث يجلس على الرصيف قرب مركز الإيواء في «جامع الرئيس» في منطقة الفيض، والهمّ يأكله بعدما خسر بيته وكلّ ما يملكه، ولم يَعُد قادراً على تأمين ثمن جرعات العلاج من داء السرطان. يقول أحمد لـ«الأخبار»: «اكتشفتُ أنّني مريض سرطان منذ عامين، وعلى رغم أن وضعي المادّي ليس باليسير، لكنّني كنت أَقدر على تأمين الأدوية بسعر مرتفع. ومع ضياع كلّ ما أملكه، كيف سأتمكّن من تدبُّر أمري، وخاصة أن هذا المرض لا يرحم، وأنا أصبحت مشرّداً، لا أملك مالاً ولا بيتاً»، مناشداً المنظّمات الخيرية إيجاد حلول لمَن يعانون أمراضاً مزمنة ومستعصية عبر إيجاد متبرّعين لمثل هذه الحالات.

عيادات متنقّلة
تأمين الأدوية لجميع مُصابي الأمراض المزمنة، يبدو هدفاً صعباً في ظلّ تداعيات كارثة الزلزال، والتي أرغمت عشرات آلاف المواطنين في مدينة حلب على اللجوء إلى مراكز الإيواء (التي بلغ عددها 275) أو الخيم، أو حتى افتراش الحدائق والأرصفة. لكنّ محافظة حلب، بالتعاون مع القطاع الخاص والجمعيات الخيرية والمنظّمات الأهلية والدولية، تحاول، ضمن الإمكانات المتاحة، تأمين احتياجات المصابين بهذه الأمراض، بحسب ما يؤكد شادي شرف الدين، المكلَّف بإدارة ملفّ الإغاثة هناك. ويشير شرف الدين إلى وجود عيادات طبّية متنقّلة تزور مراكز الإيواء بشكل دوري لمعاينة أحوال الناس المقيمين فيها، مضيفاً أنه «إذا كان هناك مرضى يحتاجون إلى أدوية مزمنة، يجري العمل فوراً على تأمينها من خلال الجهات الحكومية، وفي حال عدم توافُر الكمّيات اللازمة، يتمّ التواصل مع الجمعيات الأهلية والمنظّمات الدولية للمساعدة في تأمينها»، داعياً «المرضى المحتاجين إلى إبلاغ الجهات الرسمية أو أيّ جهة تعمل في مجال الإغاثة بمتطلّباتهم من أجل توفيرها في أسرع وقت ممكن».
وفي الاتّجاه نفسه، يؤكّد معاون مدير الصحة في حلب، مازن الحاج رحمون، لـ«الأخبار»، وجود عيادات طبّية متنقّلة تحت إشراف مديرية الصحة، «تقدّم خدمة المعاينة وتقديم الأدوية لِمَن يحتاج إليها ضمن الإمكانات المتاحة»، موضحاً أن «هناك عيادات خاصة بمرضى السكري والقلب والضغط وغيرها من الأمراض المزمنة، كما ثمّة أخرى عائدة إلى منظّمات محلّية ودولية كالهلال الأحمر». ويلفت إلى أن «حجم الكارثة كبير جدّاً، والاحتياجات ضخمة ويَصعب تصوّرها»، مشدّداً على ضرورة «التعاون والتشاركية بين المنظّمات والجمعيات الخيرية لتقديم خدمة المعاينة الطبّية وتغطية جميع المراكز، وتوفير الأدوية لكلّ المرضى وخاصة الأمراض المزمنة»، مشيراً إلى «مشكلة نقص الأدوية بسبب العقوبات الغربية، التي سيسهم رفعها في تأمين الأدوية بسهولة ووصولها إلى المرضى المحتاجين إليها في وقت أقصر».