حلب | وحيدةً وسط أنقاض أبنية مهدَّمة سواء بسبب الحرب أو الزلزال، تجلس السيّدة السبعينية، حميدة عبد، بزيّها الشعبي على الرصيف المقابل لبيتها المتصدّع في بستان الباشا، بحثاً عن دفء شمس شباط، بعدما نخر البرد عظامها بسبب غياب وسائل التدفئة. تقول، لـ«الأخبار»، إن «الزلزال كان قوياً إلى درجة سمعتُ معها صوت تساقُط الأبنية المتصدّعة سابقاً من الحرب، لكنّني لم أستطع النزول إلى الشارع لكِبَر سنّي، كما أن زوجي مريض ولا يقوى على الحركة، فضلاً عن أنّنا لم ننجب أولاداً أبداً، ولذا، لا يوجد مَن أخاف عليه، ففضّلتُ البقاء في بيتي، ونجوتُ بأعجوبة على رغم تصدُّع الجدران»، مطالِبةً بإمدادها وزوجها بالمواد الإغاثية والأدوية حتى يستطيعا مُواصلة العيش. وعلى رغم أن بستان الباشا لا تُعدّ من «العشوائيات»، إلّا أن أغلب مبانيها باتت تحتاج إلى هدم كامل وإعادة إعمار من جديد، شأنها شأن المناطق العشوائية التي كانت تحوّلت إلى ساحات معارك بين الجيش السوري والجماعات المسلّحة. تَلفت وفاء حسيب، وهي أمّ لأربعة أولاد من منطقة الشعار العشوائية، إلى أن «غالبية المباني في هذه المنطقة تصدّعت بسبب الزلزال وقَبله الحرب، ولذا بات السكن فيها يشكّل رعباً حقيقياً وخاصة مع كثرة الهزّات الارتدادية»، مضيفةً «(أنّنا) لم نَعُد نشعر بالأمان في بيوتنا التي قد تنهار في أيّ لحظة فوق رؤوسنا، فإذا لم نَمُت بالزلزال قد نموت بجلطة أو بصدمة نفسية». وفي الاتّجاه نفسه، تقول الأربعينية ثبات حجار إنها تعيش مع عائلتها «حرب أعصاب» بفعل الهزّات الارتدادية، ما جعلها تَهجر بيتها وتقْصد أحد مراكز الإيواء، مضيفة: «لم نكد ننتهي من أزمة النزوح بسبب الحرب حتى عِشنا المرارة ذاتها بسبب الزلزال». وتشدّد حجار على «ضرورة تأمين مساكن بديلة للمتضرّرين قريبة من مواقع سكنهم الأصلية ومدارس أولادهم»، مستدرِكةً بأنه «إذا لم تُراعِ الجهات الرسمية هذه المسألة الهامّة، فإن الإيجار خيار مرّ، وخاصة بعد ارتفاع أسعاره بشكل كبير في استغلال واضح للكارثة، حيث وصل إيجار البيت في مناطق المخالفات إلى 500 ألف، وفي الحواش العربية، التي تُعدّ أكثر أمناً نظراً إلى إمكانية الخروج منها فوراً عند وقوع أيّ زلزال، إلى أكثر من 100 ألف ليرة»، متابعةً: «نحن قبل الزلزال لم نكن قادرين على تأمين هذه المبالغ، فكيف بعد خسارة أرزاقنا بسببه؟».
تعيش آلاف العائلات في مراكز الإيواء في مناطق حلب الشرقية


أولوية الإعمار
تعيش آلاف العائلات في مراكز الإيواء (التي هي عبارة عن جوامع أو مدارس) في مناطق حلب الشرقية، كالهلك وطريق الباب والميدان وبستان الباشا والشعار وتل اللوز وغيرها، حيث تؤمَّن احتياجاتها عبر الجمعيات الخيرية والمنظّمات المحلّية والدولية، والمؤسّسات الرسمية وإنْ بنسبة أقل. وبحسب خانم خليفة، المشرفة على أحد المراكز في بستان الباشا، فإن ثمّة تَوجّهاً لنقل المتضرّرين إلى مدينة جبرين الحِرفية بسبب بدء العملية التعليمية، لكنّ كثيرين منهم يرفضون المغادرة بالنظر إلى بُعد المنطقة عنهم، وعدم قدرتهم على تحمُّل نفقات التنقّل إليها، سواء هم أنفسهم كموظّفين أو أبناؤهم المسجَّلون في مدارس مساكنهم الأصلية. ومن هنا، تشدّد خليفة على أن تأمين المساكن البديلة أوْلى من توفير المواد الإغاثية، وهو ما يوافق عليه أيضاً مختار بستان الباشا والهلك وبعبدين، ربيع المواس بن حسين، الذي يدعو إلى مساعدة المتضرّرين على ترميم بيوتهم وتدعيمها، خصوصاً أن «أغلبهم كان وضعهم "تعباناً" قبل الزلزال، الذي جرّدهم من كلّ أملاكهم وأرزاقهم، ما يجعلهم غير قادرين على تحمُّل نفقات التدعيم، على أساس ما توصي به لجان السلامة العامة».
ويطالب ابن حسين بأن تكون هناك «ورشة عمل هندسية على الأرض، تكشف على البناء المتضرّر، وتُباشر فوراً في عمليات الترميم والتدعيم، فماذا يهمّ العائلات إذا سُجّل حال أبنيتها المتضرّرة على الورق ولم تتمّ مساعدتها في ترميمها لمعاودة العيش فيها بدل البقاء في مراكز الإيواء وتلقّي مواد الإغاثة؟»، مضيفاً أن «المواطن حينما يجد سقفاً آمناً، سيواصل حياته ويبادر إلى العمل والإنتاج ولن ينتظر الإعانة الغذائية، ما يخفّف العبء على الحكومة بشكل كبير». ويَلفت إلى أنه في بستان الباشا وحدها انهارت أربعة أبنية في زلزال 6 شباط، وبناءٌ خامس خالٍ من السكّان بسبب الزلزال الأخير، مبيّناً أنه «ذهب ضحيّة هذه الانهيارات 50 شخصاً، هم عائلات ماتت بكامل أفرادها ولم يبقَ منها أحد، وبالتالي لا يوجد شخص حتى يعوّض عن هذه الخسارة»، مستنتجاً أن «الحلّ الوحيد لعودة الحياة إلى تلك المناطق يكمن في إعادة ترميم وتدعيم البيوت المتهدّمة على نفقة الدولة السورية وليس على حساب المتضرّرين».