ازداد عدد ضحايا البحث عن فطر «الكمأة»، منذ بداية الموسم الحالي، إلى 108 أشخاص قضوا في مناطق متفرّقة من الأراضي السورية، وفق ما تفيد به إحصائيات حصلت عليها «الأخبار» من مصادر متعدّدة. وتُبيّن هذه الإحصاءات أن 85 من الضحايا سقطوا في هجمات لخلايا تنظيم «داعش»، من بينهم 53 في مجزرة ارتكبها التنظيم في الـ16 من الشهر الماضي شرق مدينة السخنة، فيما قُتل المتبقّون في حوادث انفجار ألغام أرضية من مخلّفات المعارك في البادية السورية وشرق نهر الفرات. أمّا حصيلة الإصابات، فقد بلغت حوالى 35 شخصاً.وتُعدّ «الكمأة» من أنواع الفطر الطبيعي التي تنمو في المناطق المفتوحة، ويربط السكّان المحلّيون جودة موسمها بكثافة الأمطار والعواصف الرعدية. وتُراوح أسعار هذا النوع المسمّى بـ«بنت الرعد»، بين 50 و150 ألف ليرة سورية للكيلو الواحد، بحسب المنطقة التي يباع فيها وحجم الثمرة. وتدفع محاولات الحصول على أكبر كمّية ممكنة قبل البيع، السكّان، وخاصة في المحافظات الشرقية من سوريا ومدن البادية، إلى تشكيل «ورشات» تتألّف الواحدة منها ما بين 15 و35 شخصاً، لتقوم بالتخييم في المناطق التي من المتوقّع العثور على «الكمأة» فيها. وفي أعقاب إتمام مسْح المنطقة، تقوم الورشة بالانتقال إلى المدن والتجمّعات السكّانية الكبيرة لبيع ما جنتْه قبل أن تعود إلى التخييم في منطقة جديدة.
يقول محمد المصطفى، من سكّان مدينة البصيرة في ريف دير الزور الواقع إلى الشرق من نهر الفرات، لـ«الأخبار»، إن الأسلحة الفردية التي يحملها الباحثون عن «الكمأة» يمكن أن تحمي من الحيوانات المفترسة مِن مِثل الذئاب أو الضباع التي تنتشر في البادية، لكن البندقية الآلية أو المسدّسات لن تنفع أمام هجمات خلايا تنظيم «داعش»، والتي تتشكّل الواحدة منها على الأقلّ من 25 عنصراً، وغالباً ما يكون غرضها سرقة الآليات التي تُرافق الورشة من سيارات ودراجات نارية، وليس سرقة ما تجنيه من محصول «الكمأة»، على رغم ارتفاع أسعار هذا الفطر؛ إذ إن الورشة الواحدة إنْ حصلت على طنّ منه، فإن سعره سيُراوح بين 5 و10 ملايين ليرة سورية.
بدوره، يقول عبد القادر الحمود، وهو واحد من التجّار الذين ينقلون «الكمأة» من دير البادية السورية إلى الأسواق، إن البحث عنها بات من المهن الموسمية التي يمارسها السكّان بحثاً عن مصدر للدخل، على رغم المخاطر التي ارتفعت نسبتها خلال سنوات الحرب، وخاصة بعد تحوّل تنظيم «داعش» إلى العمل بنظام العصابات وقطّاع الطرق. ويضيف محمود أن السكّان يُقبلون على البحث عن هذا النوع من الفطر لأنه يؤمّن خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام دخلاً شهرياً يصل إلى 1.5 مليون ليرة سورية لكلّ شخص يقوم بجمع «الكمأة»، التي تُعدّ من المواد المرتفعة القيمة الغذائية والمرغوبة في الأسواق خلال موسمها، حتى إن البعض يحوّلها إلى «مونة» تُحفظ للاستخدام خارج موسمها.
خلال العام الماضي، تَسبّب موسم البحث عن «الكمأة» بوفاة 43 شخصاً وإصابة نحو 50 آخرين


وتُعتبر المناطق الواقعة إلى الشمال من مخيم الركبان، جنوب شرقي سوريا، من بين أكثر المناطق التي تشهد إقبالاً على البحث عن "الكمأة"، في ظلّ شبه انعدام لفرص العمل داخل المخيّم الذي يُمنع سكّانه من العودة إلى مناطقهم بقرار من قوات الاحتلال الأميركي. وعلى رغم أن المنطقة التي تُعرف باسم «الـ 55 كلم»، والمحيطة بالقاعدة الأميركية في التنف، من المفترض أن تكون خالية من وجود تنظيم «داعش»، إلّا أن سكّان المخيم، وخلال رحلاتهم نحو الأطراف الشمالية من هذه المنطقة، يخشون من انقضاض مجموعات التنظيم على مخيّماتهم المؤقّتة خلال البحث عن الفطر الذي يباع الجزء الأكبر منه في الأسواق الأردنية بعد تهريبه من قِبل التجار المرتبطين بفصيل «جيش سورية الحرة» الذي يعدّ «سلطة الأمر الواقع» في "الركبان" الذي يقطنه نحو 7000 شخص حالياً. ويقول أبو محمد، وهو من سكّان المخيم، لـ«الأخبار»، إنه لا يمكن بيع أيّ كمية من «الكمأة» خارج "الركبان"؛ بالنظر إلى أن الخروج منه مستحيل، ولذا يتمّ بيعها للتجّار المرتبطين بالفصائل المسلّحة، وهؤلاء يقومون بدورهم بنقل المحصول إلى الأسواق التي يرونها أكثر تحقيقاً للربح، مؤكداً أن كلّ شيء في المخيم مرتبط بشكل كامل بالفصائل وقادتها.
وخلال العام الماضي، تَسبّب موسم البحث عن «الكمأة» بوفاة 43 شخصاً وإصابة نحو 50 آخرين، غالبيتهم قضوا في عمليات إغارة من قبل الخلايا التابعة لتنظيم «داعش». ولا تتوافر إحصائية دقيقة لعدد الضحايا الذين قضوا خلال مواسم الأعوام التي سبقت ذلك، إلّا أن المعدّل الوسطي السنوي لتعداد الضحايا يصل إلى 50 حالة وفاة في الحدّ الأدنى، الأمر الذي يشير إلى أن خلايا التنظيم ما تزال تشكّل تهديداً مباشراً للمدنيين في مناطق البادية، وإلى التحوّل الجذري في سياسة التمويل الذاتي بالنسبة إليها، والتي تقوم على الإغارة على المناطق السكنية والمدنية من أجل السرقة، فيما تُعتبر المخلّفات الحربية واحداً من أكثر المخاطر التي تهدّد حياة البادية، التي ستشهد خلال الشهرَين القادمين حركة نشطة من قِبل مُربي المواشي خلال بحثهم عن المناطق الصالحة للرعي.