على عجالة، نظّمت «هيئة تحرير الشام» مؤتمراً في مدينة سرمدا، قرب معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، في ريف إدلب، ضمّ عدداً من حلفاء زعيم الهيئة، «أبو محمد الجولاني»، في ريف حلب الشمالي، بالإضافة إلى مدراء منظّمات وجمعيات مرتبطة بحكومات غربية تعمل في إدلب وريف حلب. وهدفَ المؤتمر إلى الإعلان عن خريطة طريق جديدة للجماعة التي تأسّست بداية الأحداث في سوريا بدعم من تنظيم «القاعدة» لتكون فرعاً لها في هذا البلد، قبل أن تنقلب عليها عام 2016، وتبدأ مرحلة جديدة طويلة تهدف في محصّلتها إلى تلميع «الهيئة» وتصديرها على أنها «مشروع سوري معارض». الاجتماع الذي حمل اسم «المؤتمر الثوري لأهالي حلب الشهباء»، والذي حضره «الجولاني» وتمّ تكريمه فيه على أنه «رجل ثوري»، رفعَ سقف الطموحات، عبر الحديث عن خطّة تهدف إلى إعادة السيطرة على مدينة حلب، والتي عدّها «الجولاني» أمراً قد يحدث «خلال العام أو العامين المقبلين». وأعاد التذكير بمشروعه الهادف إلى توحيد المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة، للاستفادة من «القوة العسكرية»، والتي اعتبرها «تعيش عصراً ذهبياً»، وفق تعبيره، في إشارة إلى عملية المأسسة التي خضعت لها قوّاته خلال الأعوام القليلة الماضية، بمساعدة تركية، وأفضت في المحصّلة إلى بناء هرمية عسكرية بسطت سيطرتها على إدلب، وأنهت وجود معظم الفصائل التي كانت تنازعها السلطة.كلمات «الجولاني» أعادت إلى الأذهان تصريحات سابقة أطلقها خلال الأعوام الماضية بالتزامن مع خسارته مناطق كان يسيطر عليها، وذلك عقب عمليات نفّذها الجيش السوري، سواءً في مدينة حلب، أو في ريف إدلب من خلال فتح طريق حلب – دمشق. وهذا ما يدفع مصادر معارضة تحدّثت إلى «الأخبار»، إلى ربط خطابه بالخطة التي تعدّها أنقرة للتطبيع مع دمشق، والتي تتضمّن في خطواتها الأولى فتح طرق الترانزيت عبر معبر باب الهوى، وإعادة تفعيل الطرق الدولية، وعلى رأسها طريق حلب – اللاذقية (M4)، والذي كان من المفترض أن يتمّ تشغيله مطلع العام الحالي، قبل أن يأتي الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا ويتسبّب في تأخيره. وتشمل المسودّة التركية التي ستقدّمها لجنة أمنية - عسكرية خلال لقاء على مستوى نواب وزراء خارجية «الرباعية» (سوريا وتركيا وإيران وروسيا)، خلال الأيام المقبلة، تشكيل غرفة عملية مشتركة لتنفيذ سلسلة من الإجراءات على الأرض، تبدأ من فتح الطريق الدولية، ولا تنتهي بعودة اللاجئين السوريين في تركيا. لكن هذه المسودّة لا تزال تنتظر موافقة سورية لتنفيذها، وهو ما يجعل الحديث عنها مبكراً في الوقت الحالي، في ظلّ إصرار الحكومة السورية على أن تؤدّي الخطة بمجملها إلى انسحاب القوات التركية من الشمال، وفق جدول زمني محدّد، قبل الانخراط فيها.
اللافت في سلوك «الجولاني» وجماعته أخيراً، ابتعاده بشكل مقصود عن الحديث عن «قوات سوريا الديموقراطية»


وفي هذا السياق، تشير المصادر إلى مجموعة نقاط «لا بدّ من الوقوف عندها»، وفق تعبيرها: أولاها، الضائقة المالية الكبيرة التي تعانيها الفصائل المرتبطة بأنقرة في ريف حلب، في ظلّ التأخير المستمرّ لرواتبها، على رغم تدخّل قطر التي أرسلت دفعات من المستحقّات المتأخّرة؛ وثانيها، عجز الفصائل عن تشكيل جسم موحّد لوقف حالة الفلتان الأمني، ومأسسة عملها على طريقة «الجولاني»، الأمر الذي يترك الباب مشرّعاً أمام رجل «القاعدة» السابق للوصول إلى أعزاز والسيطرة على معبر باب السلامة، تعويضاً لخسارته المتوقّعة لمعبر باب الهوى. كذلك، تلفت المصادر إلى ارتفاع مستوى التنسيق الأمني بين «الهيئة» والولايات المتحدة أخيراً، وانضمام فرنسا التي أبدت انفتاحاً كبيراً على العمل مع «الجولاني» في مسائل تتعلّق بملاحقة «الجهاديين» الفرنسيين الذين ينشط معظمهم في فصيل «الغرباء»، والذي تمكّنت «الهيئة» من فرط عقده تقريباً. وهنا، تفيد المصادر بأن لجنة أمنية شكّلها «الجولاني» أعدّت إحاطة كاملة بملفّ «الجهاديين»، تتضمّن توجّهاتهم المستقبلية، وبعض القدرات العسكرية التي يمتلكونها، أو التي كسبوها خلال المعارك في سوريا، وبعض مصادر تمويلهم، وأسماء عدد ممّن يمكن تسليمهم منهم لباريس، التي يبدو أنها اقتنعت بالسير على خطى واشنطن.
اللافت في سلوك «الجولاني» وجماعته أخيراً، بالإضافة إلى انفتاحه على عمل منظّمات دولية عديدة، عبر مكتب مختصّ يتابع نشاط هذه المنظّمات، ابتعاده بشكل مقصود عن الحديث عن «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد)، وتركيزه على الحكومة السورية وإيران وروسيا. ويبدو ذلك تمهيداً لخطوات تسعى الولايات المتحدة جاهدةً لتحقيقها من أجل ربط المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية، وهو ما قوبل سابقاً بـ«فيتو» تركي حال دون تحقيقه، بالرغم من وجود علاقات اقتصادية كبيرة بين «قسد» و الفصائل التابعة لأنقرة وحتى «الجولاني»؛ إذ تُمثّل المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل و«الهيئة» أحد أبرز أسواق تصريف النفط الذي تسيطر عليه «قسد» بحماية أميركية في الشمال الشرقي. وبالإضافة إلى علاقة «الجولاني» التي أصبحت متينة بقوى غربية، يتمتّع رجل «القاعدة» السابق بعلاقات وثيقة مع أنقرة والدوحة، حيث يحتضن نسبة كبيرة من المشاريع السكنية التي تسعى تركيا لبنائها بهدف إعادة توطين اللاجئين السوريين في سوريا، بمحاذاة حدودها الجنوبية. كما يملك مكتب ربط في الدوحة، يديره سوريون على علاقة سابقة مع «القاعدة»، في محاولة لمحاكاة أسلوب حركة «طالبان»، وهو ما لم يخفِه «الجولاني» نفسه خلال كلمات عدة سابقة، مشدّداً على ضرورة استثمار نجاح الحركة في أفغانستان.