بالتوازي مع تصعيدها السياسي والاقتصادي والميداني في سوريا، عن طريق فرض عقوبات جديدة، والاستعداد لتفعيل «قانون الكبتاغون»، بالإضافة إلى تحصين مواقع سيطرتها العسكرية، تستعدّ الولايات المتحدة لتصعيد جديد في مجلس الأمن، في محاولة لتثبيت الوضع الراهن، ومنع أيّ حلّ لا يمرّ عبرها. ويأتي ذلك في ظلّ حركة الانفتاح العربية على دمشق، والسعي الروسي الحثيث لتحويل حالة العداء السورية - التركية إلى تعاون، وتوازياً مع محاولة المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، لملمة المبادرات ودفع نتائجها لإحياء مسار «اللجنة الدستورية» المجمّد
قُبيل انتهاء مفاعيل القرار الخاص بإدخال مساعدات إنسانية إلى سوريا عبر معبر باب الهوى الحدودي في العاشر من تموز المقبل، بدأت واشنطن تصعيدها في أروقة مجلس الأمن، بحثاً عن قرار جديد يعيد وضع المعابر إلى سابق عهدها، ويمنع موسكو من فرض شروط تتعلّق بمشاريع «التعافي المبكر»، وتمرير مساعدات عبر الخطوط (عن طريق دمشق). وتمثّل هذه النقطة حجر أساس للمبادرة العربية التي يسعى من خلالها الأردن للتخلّص من عبء اللاجئين، ما يتطلّب تأهيلاً للبنى التحتية عبر طرق عدّة، كما تُعتبر إحدى الركائز التي تستند إليها المساعي الروسية - الإيرانية لفتح الأبواب المغلقة بين دمشق وأنقرة، الراغبة هي الأخرى في التخلّص من همّ اللاجئين.
وشنّت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، خلال الاجتماع الأخير للإحاطة بالوضع السوري في مجلس الأمن، هجوماً على الحكومة السورية كالمعتاد، غير أن الهجوم شمل هذه المرّة الدول التي انفتحت على دمشق بشكل غير مباشر، عبر مطالبتها بأن يتمّ الدفع عبر هذا الانفتاح نحو إجراءات سياسية على الأرض. كما دعت غرينفيلد الدول الفاعلة في مجلس الأمن إلى العمل معها لسنّ قرار جديد، من شأنه أن يفتح المعابر الثلاثة مع تركيا (باب الهوى وباب السلامة والراعي) لمدّة عام كامل، في محاولة لتقويض الخطّة الروسية التي تمكّنت العام الماضي من فرض قرار يسمح بعبور المساعدات عبر باب الهوى فقط، بالتوازي مع زيادة كمّيات المساعدة المرسَلة عبر دمشق. وكانت الحكومة السورية تجاوزت ذلك القرار بعد وقوع زلزال السادس من شباط، حيث سمحت بتمرير المساعدات للمتضرّرين عبر المعبرَين الآخرَين أيضاً لمدّة ثلاثة شهور، ثمّ لثلاثة شهور أخرى بعد تعثّر إدخال مساعدات أرسلتها الحكومة السورية إلى إدلب، نتيجة رفض «هيئة تحرير الشام» التي تخشى من أن يؤدّي تثبيت هذه المعابر إلى تغييرات ميدانية.
ركّز المندوب الروسي في الأمم المتحدة، على محاولات واشنطن خلق جيش جديد في الرقة


هكذا، عاد ملفّ المساعدات الإنسانية الذي سعت روسيا إلى الخروج بقرار حوله لسحبه من طاولة المفاوضات السياسية، إلى الواجهة، عبر مساعي واشنطن لاستثمار سماح الحكومة السورية بتشغيل المعابر الثلاثة لفترة مؤقّتة، في تحويل الوضع الراهن إلى صيغة أممية تَخرج دمشق من واجهتها، وهو ما ترفضه الأخيرة ومعها موسكو بشكل قاطع. وتتزامن التحرّكات الأميركية هذه، مع فرض عقوبات على شركات وشخصيات سورية جديدة، وتحرّكات ميدانية لتحصين الوجود الأميركي العسكري في الشمال الشرقي من سوريا، وفي منطقة التنف، عبر إدخال منظومات جديدة من بينها مضادّات للدروع، وصواريخ «هيمارس»، استعداداً لمرحلة مقبلة يبدو أن واشنطن تتوقّع فيها تصعيداً ميدانياً ضمن مساعي إخراج القوات غير الشرعية من سوريا.
وأمام موجة التصعيد الأميركية تلك، بدا لافتاً تركيز المندوب الروسي الدائم في الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، على محاولات واشنطن خلق جيش جديد في الرقة، عن طريق مشروع إعادة إحياء «لواء ثوار الرقة»، والذي تسعى من خلاله الولايات المتحدة إلى تحصين وجودها قرب الحدود التركية، بالإضافة إلى «مهاجمة القوات السورية، وزعزعة الاستقرار»، وفق المندوب الروسي. وكرّر الأخير تصريحات للخارجية الروسية خلال اجتماع وزراء خارجية «الرباعية» (روسيا وإيران وتركيا وسوريا) الذي استضافته موسكو لفتح باب التعاون بين دمشق وأنقرة في العاشر من الشهر الماضي، حيث مثّل رفض الوجود الأميركي العسكري في سوريا مجدّداً إحدى أبرز نقاط التوافق بين الدول الأربع.
بدوره، يتابع المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، محاولات لإحياء مسار «اللجنة الدستورية» الذي تمّ تجميده منذ منتصف العام الماضي، عبر محاولة دمج المبادرات والتحرّكات السياسية حول سوريا (المسار العربي والمسار الروسي) للدفع نحو توافق يقوم على أساس قرار مجلس الأمن رقم 2254، والذي يعتمد مسار «الدستورية» طريقاً للحل. ويُبدي بيدرسن، الذي خاض خلال الشهر الماضي سلسلة لقاءات مكوكية مع مختلف الأطراف الفاعلة في الملف السوري، وآخرها مصر والأردن والسعودية، الشركاء في المبادرة العربية، تفاؤلاً في أن يتمّ استثمار هذه المبادرات، التي يعتبرها «فرصة تاريخية»، وفق تعبيره.
بالتوازي، بدأت دول الاتحاد الأوروبي، بالتعاون مع واشنطن، عمليات لمّ شتات المعارضة السورية؛ إذ تجتمع وفود من «هيئة التفاوض» في جنيف، بهدف وضع خريطة طريق توافقية تنهي حالة الشتات التي تسبّبت بها الولاءات المختلفة، وسط توقّعات بأن يشارك في هذه الاجتماعات ممثّلون عن الولايات المتحدة، بالإضافة إلى مصر والسعودية، الشريكَين في المبادرة العربية.