بالتوازي مع عملها على إعادة إحياء قوات عربية تابعة لها في الرقة، تعمل الولايات المتحدة بصفتها قائدة «التحالف الدولي»، على زيادة حجم الفصائل العربية التي تأتمر بأوامرها في منطقتَي شرق الفرات والتنف. ويأتي ذلك في إطار استراتيجية جديدة تستهدف واشنطن من ورائها ضمان وجود القوات المحلية الموالية لها ضمن غرفة تحكُّم واحدة تعمل على تأمين وجود طويل الأمد ومحدود المخاطر للأميركيين.وفي الآونة الأخيرة، تكرّرت تحذيرات موسكو من مخاطر السياسة التي تنتهجها واشنطن على الأرض السورية، والقاضية بدعم تشكيل فصائل جديدة قوامها عربي في مناطق عدّة، أبرزها الرقة الحدودية مع تركيا. وجاء التحذير الأول خلال الاجتماع الرباعي على مستوى وزراء خارجية سوريا وتركيا وإيران وروسيا، ضمن المبادرة الساعية للتطبيع بين دمشق وأنقرة. أمّا الثاني، فبرز خلال الاجتماع الأخير لمجلس الأمن لمناقشة الأوضاع في سوريا، والذي استغلّته واشنطن للتحضير لمعركة سياسية جديدة حول المساعدات الإنسانية عبر الحدود. عمليّاً، تهدف الولايات المتحدة إلى تنشيط مناطق سيطرتها في مسعىً لتمتين تحكّمها على الأرض عبر عناصر ضغط إضافية تحول دون أيّ تقدُّم سياسي يتمّ بعيداً عن موافقتها، وفق مصادر ميدانية مطّلعة تحدثت إلى «الأخبار». وتشمل هذه المناطق المواقع النفطية (شرق الفرات)، والشمال السوري (الرقة)، وحتى أقصى الجنوب الشرقي (منطقة التنف الحدودية مع الأردن والعراق).
وبرزت، خلال الأسبوعين الماضيين، سلسلة تقارير نشرتها وكالة «الأناضول» التركية رصدت التحرّكات الأميركية المثيرة للريبة. وأشارت التقارير إلى إدخال أسلحة نوعية، كان آخرها منظومة صواريخ «هيمارس»، بالإضافة إلى عربات قتالية من طراز «برادلي»، التي تمّ تدريب فصائل سورية تابعة لواشنطن على استخدامها. بالإضافة إلى ذلك، فتحت الأخيرة باب استقطاب مقاتلين جدد يتمّ تدريبهم ضمن معسكرات خاصّة في منطقة التنف بعد إعادة هيكلة الفصائل التي تديرها في المنطقة وتغيير اسمها إلى «جيش سوريا الحرّة»، فضلاً عن محاولة ربط الفصائل العربية وتوحيد نشاطها على الحدود السورية - العراقية، وفق ما ورد في هذه التقارير.
وفيما تحاول واشنطن تبرير تحرّكاتها الأخيرة بأنها أتت استباقاً لتصعيد روسي - إيراني محتمل على قواعدها، يكشف التوافق الروسي - التركي أموراً أبعد من خطر هذه التحرّكات. ويتمثّل هذا الخطر، بشكله النهائي، في منع أيّ تغيير ميداني محتمل قد ينتج عن التقارب السوري - التركي، الذي تشكّل قضيّة إخراج القوات الأميركية من سوريا أحد أبرز أعمدته. وإذ أشارت المصادر الميدانية إلى أن التوجّه الأميركي نحو تنمية فصائل ذات مكوّن عربي ليس جديداً، أوضحت أن واشنطن التي تتّخذ من الأكراد حليفاً استراتيجياً في سوريا، تدرك أن الخلاف التركي - الكردي سيؤدّي إلى استمرار حالة التوتّر في مناطق وجود قواتها. وانطلاقاً من ذلك، استلزم العمل على مسار الفصائل ذات المكوّن العربي، والتي تعطي الولايات المتحدة غطاءً أكبر، سواء بسبب عدم كفاية القوات الكردية لتأمين مناطق نفوذها، أو حتى عدم إمكانية زيادة مساحة سيطرة «قسد»، لما لهذه الخطوة من مخاطر كبيرة.
ومع انتهاء قدرة واشنطن على استثمار «داعش» لتبرير وجودها في سوريا، يبرز «قانون الكبتاغون» كجزء من غطاء جديد، إلى جانب مبرّرات أخرى. وفي السياق، استبق نائب المبعوث الأميركي الخاص لـ«التحالف الدولي»، إيان مكاري، الاجتماع على المستوى الوزاري للتحالف ضدّ «داعش» المزمع عقده في السعودية الخميس المقبل، قائلاً، في إحاطة للصحافيين، إن «مهمّة القوات الأميركية في سوريا والعراق تغيّرت بشكل كبير». وإذ توقّع الحصول على تعهّدات مالية أكبر بهدف دعم «مشاريع الاستقرار»، قال مكاري: «كانت هناك حملة عسكرية كبيرة، لكن تلك المرحلة انتهت، ولم يَعُد داعش يسيطر على أيّ منطقة هناك (...) لا تزال لدينا قضايا إنسانية كبيرة يجب معالجتها في سوريا والعراق». وتزامنت تصريحات مكاري مع تصريحات أخرى أطلقها منسّق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي، الذي قال، في إحاطة إعلامية، إن الولايات المتحدة «ستحافظ على وجودها العسكري في سوريا، وهي مستعدّة لحمايته»، في إشارة إلى التحصينات والمعدات العسكرية التي قامت أميركا بإدخالها أخيراً إلى سوريا.
في الوقت نفسه، توقّعت المصادر الميدانية استمرار واشنطن في تنفيذ استهدافات جويّة يمكن استثمارها إعلاميّاً ضدّ شخصيات تقول إنها مرتبطة بتنظيمَي «داعش» و«القاعدة»، بالإضافة إلى استمرار الحديث عن مخاطر التنظيم والتخوّف من هجمات جديدة. أمّا على صعيد غطائها الجديد المتمثّل بتهريب المخدرات، فستعمد واشنطن، بحسب المصادر، إلى نشر أخبار تتعلّق برصد قوات تديرها لشبكات تهريب مخدرات، فضلاً عمّا تحظى به هذه الأخبار من اهتمام وسائل تحظى بدعم مالي أميركي عبر برنامج تموّله خارجيتها لـ«تسويق أولويّات السياسة الأميركية في سوريا». ويتوازى ذلك مع تكثيف التغطية الإعلامية للمشاريع قيد التحضير بهدف تحسين صورتها في الرقة، التي قامت بتدميرها خلال المعارك ضدّ تنظيم «داعش».