شكلت مدينة نيويورك الأميركية، يوم أمس، ركيزة الحراك الدولي بشأن «التحالف» المستجد ضد «المنظمات الإرهابية»، إذ تبنت جلسة استثنائية لمجلس الأمن الدولي قراراً ملزماً لوقف تدفق المقاتلين الأجانب إلى سوريا والعراق واحتواء الخطر الذي يشكلونه على بلدانهم الاصلية، وذلك بعد ساعات على افتتاح المداولات العامة الرفيعة المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة أعمالها، التي شهدت ضمن فعالياتها جدلاً أميركياً ـ روسياً مثقلاً بدلالاته الدبلوماسية، كادت أن تعيد التذكير بعالم «الحرب الباردة».
وأصدر مجلس الأمن الدولي بالإجماع قراراً أدان فيه «التطرف العنيف الذي قد يهيئ المناخ للإرهاب والعنف الطائفي وارتكاب الأعمال الإرهابية من قبل المقاتلين الإرهابيين الأجانب». ودعا القرار رقم 2178، الصادر بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، إلى «نزع أسلحة جميع المقاتلين الإرهابيين الأجانب... ووقف جميع الأعمال الإرهابية أو المشاركة في الصراع المسلح». وصدر القرار في جلسة رفيعة المستوى حضرها ثلاثة عشر رئيس دولة وحكومة من أعضاء المجلس وعدد من كبار مسؤولي الدول الأعضاء، وعقدت برئاسة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية لمجلس الأمن.
وأكد القرار، الذي صاغته الولايات المتحدة، ضرورة «عدم ربط الإرهاب بأي دين أو جنسية أو حضارة»، وعلى مسؤولية الدول في منع «تنقل الإرهابيين أو الجماعات الإرهابية» من خلال التدابير الفعالة للسيطرة على الحدود والمتعلقة بإصدار أوراق الهوية أو وثائق السفر.
لافروف يرى أن خطاب
الرئيس الأميركي ليس
«خطاب سلام»


وأكد مجلس الأمن الدولي الضرورة الملحة للتنفيذ الكامل والفوري، وشدد على ضرورة تنفيذه في ما يتعلق بالمقاتلين المرتبطين بتنظيم «داعش» و«جبهة النصرة» وغيرهما من خلايا تنظيم «القاعدة» أو الجماعات المرتبطة به أو المنشقة عنه، وفقاً لتعابير النص.
أما في الجمعية العامة للأمم المتحدة، فقد برز خطاب الرئيس الأميركي، وما استتبعه من رد روسي فوري. ولم يكن خطاب باراك اوباما إعلامياً هذه المرة، إذ تضمن عرضاً واضحاً لدور بلاده المبتغى ضمن النظام الدولي في بدايات القرن الواحد العشرين. واستند اوباما أساساً في عرضه إلى ما يجري في أوكرانيا، ليوجه رسالة جلية مفادها أن النظام الدولي الذي أقيم على أنقاض الحرب العالمية الثانية لا يمكن أن يستمر كما هو الآن.
وقال إن «شبح الحرب العالمية الثانية الذي كان موجوداً عند إنشاء هذه المؤسسة رُفع، واحتمالات الحرب بين القوى الكبرى انخفضت»، ليضيف في سياق حديثه إن «عدوان روسيا في أوروبا يعيد التذكير بأيام كانت فيه أمم كبيرة تدوس فوق أمم صغيرة سعياً خلف الطموحات توسعية». واعتبر أنه «راهناً، إن تصرفات روسيا في أوكرانيا تمثل تحدياً لنظام ما بعد الحرب».
وخلال إشاراته إلى مختلف «التحديات» التي يواجهها العالم اليوم، قال إن مجملها تمثل «علامات بشأن مشاكل أوسع نطاقاً -- إخفاق نظامنا الدولي في مواكبة عالم مترابط». وقال أوباما، في سياق خطابه: «في عبارات أخرى... لا نستطيع الاعتماد على كتاب أحكام كتب لقرن آخر. إذا رفعنا أعيننا إلى ما وراء حدودنا -- ولو فكرنا عالمياً وتصرفنا متعاونين -- لتمكنا من تغيير مسار هذا القرن، كما غير أسلافنا عصر ما بعد الحرب العالمية الثانية».
وسارعت روسيا إلى الرد على خطاب أوباما في الأمم المتحدة، إذ أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن الخطاب «لم يفلح أن يكون خطاب سلام»، معتبراً أن الرئيس الأميركي «خصص لما سماه العدوان الروسي في أوروبا المرتبة الثانية في سجل الأخطار المحدقة بالسلام في العالم، ما بين حمى إيبولا وتصاعد نشاطات الإرهابيين في بلدان الشرق الأوسط، وفي مقدمتها الدول التي قامت الولايات المتحدة بتدخل فيها، مخالفة للقانون الدولي». وأضاف أن الحديث يدور عن «رؤية أميركية للعالم» طرحها الرئيس أوباما الذي «شدد مراراً على استثنائيته هو وبلاده.. رؤية بلاد سجلت في عقيدتها للأمن القومي حقها في استخدام القوة حسب هواها، بغض النظر عن القرارات الصادرة عن مجلس الأمن والقوانين الدولية الأخرى».
وجاء الحديث عن سوريا وعن الشرق الأوسط والحرب على «الإرهاب» في خطاب اوباما في إطار عرض «التحديات» المشار إليها. وكان لافتاً في خطاب رئيس الإدارة الأميركية تركيزه على عبارة «سرطان التطرف» المنتشر في العالم، مؤكداً أنه ليس من حرب مع «العالم الإسلامي»، رافضاً في الوقت ذاته عبارة «صراع الحضارات».
وفي ثنايا الخطاب الأميركي جرى تأكيد «أهمية» الحرب ضد «داعش»، فيما وُجِّهت رسالة إلى طهران بشأن برنامجها النووي، تدعو المسؤولين الإيرانيين إلى «عدم تفويت فرصة» إبرام اتفاق.
ودعا باراك اوباما العالم، يوم أمس، إلى التوحد لـ«تدمير» تنظيم «داعش»، معتبراً أن «اللغة الوحيدة التي يفهمها القتلة مثل هؤلاء هي لغة القوة»، في تكرار لكلام سابق كرره الرئيس بشار الأسد مراراً وتكراراً. وأكد أن بلاده لا تتحرك «بمفردها»، متعهداً العمل مع تحالف واسع «للقضاء على شبكة الموت هذه». وقال: «ربما جادل بعض الساخرين بأن نتيجة كهذه لن تتحقق أبداً. لكن لا طريق آخر لوضع حد لهذا الجنون، سواء خلال عام أو 10 أعوام من الآن».

وجاء حديث الرئيس الأميركي في الوقت الذي كان فيه المتحدث باسم البنتاغون، الاميرال جون كيربي، يشير إلى أن الحرب المزعومة لن تنتهي إلا خلال «سنوات». واستبق اوباما خطابه في الأمم المتحدة بلقاء كان قد أجراه «الشركاء العرب في الائتلاف العالمي»، حيث أكد أنّ «من الواضح أننا لا نشهد نهاية مجهود بل بدايته».
وترافق ذلك مع إضافة الولايات المتحدة إلى لائحتها السوداء 11 شخصاً وشركة متهمين بتسهيل إرسال مقاتلين الى «تنظيمات ارهابية».
من جهته، رأى الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، أن بلاده «ليست دولة داعمة للإرهاب، أو دولة تغض الطرف عن الأعمال الإرهابية»، مضيفاً: «نحن لا نتدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة، ونحترم وحدة تراب جميع الدول بالمنطقة وسيادتها».
وشهدت فعاليات أعمال الجمعية العامة يوم أمس، خطابات لقادة عرب، برز من بينها الحضور القوي للرئيس المصري الجديد، عبد الفتاح السيسي، الذي عرض فيها لملامح «مصر الجديدة»، التي تضمنت دعوة أعضاء الجمعية العامة إلى دعم ترشح بلاده لعضوية غير دائمة في مجلس الأمن لعامي 2016 و2017. من جهته، دعا الملك الأردني، عبد الله الثاني، إلى اعتماد «استراتيجية جماعية» للقضاء على تنظيم «داعش»، في وقت برز فيه ضمن كلمة أمير قطر، تميم بن حمد، دعوته إلى «مضاعفة الجهود لمحاربة هذه الظاهرة (الإرهاب) أياً كان شكلها أو هدفها أو مصدرها»، بينما أصر في كلمته على اختطاف «نجاح التجربة التونسية»، في سياسة واضحة تتبعها بلاده اليوم، والوسائل الإعلامية التابعة لها، في الشأن التونسي.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)