دمشق | على المقعد الخشبي انتظر أحمد قرع جرس نهاية الدوام. لم يكن يومه المدرسي كالمعتاد بل نهاية حياته! «أوصلته بيدي إلى المدرسة. تركته على بابها صباحاً لأعود لاصطحابه عند قرع الجرس. لم أكن أعلم أنني أودعته للموت. اليوم لن يغادر مدرسته ككل يوم. لن تكون عودته للبيت لمراجعة دروسه وكتابة وظائفه... هو اليوم نال الشهادة»، تقول والدته بحسرة. مع بداية العالم الدراسي، عاد هاجس سقوط قذائف الهاون ليحتل المشهد الدمشقي.
في مدرسة «المنصور» في منطقه الدويلعة، ومنذ اليوم الدراسي الاول، سقط صاروخ محليّ الصنع في إحدى القاعات، لكن الأضرار اقتصرت على الماديات.
المشهد في اليوم التالي كان مفاجئاً للبعض، إذ لم يتغيّب أكثرية الطلاب عن المدرسة.
كندة، والدة أحد هؤلاء التلاميذ، تقول: «أرسلته ليتعلم، اليوم سيأخذ الكتب، صحيح أنّ قلبي على نار ولكن ما البديل؟ أخوض كل صباح معركة مع جدته. هل أرسل كريم للمدرسة أم لا. من غير المنطقي أن يبقى في المنزل. هل أولاد بقية الأهل ليسوا غاليين على قلوبهم؟ ربما صحيح، ولكن الأصح أن بقاءه في البيت لن يعلمه شيئا ما دام لن يرى غير جدته وأنا!».
في المقابل، لبشار رأي آخر بالنسبة لارسال ابنه إلى المدرسة. «ولدي وحيدي، ولن أرسله إلى المدرسة. أتيت لأستلم كتبه وسأدرسه بنفسي. لن يغادر المنزل ولن يلتزم بالدوام. العام الماضي سقطت قذيفة الهاون في صفّه فاستشهد طفل وجرح طفلان»، يقول لـ«الأخبار».
إحدى المشرفات الاجتماعيات في المدرسة تروي لـ«الأخبار» أنّ بعض الأطفال يعانون مشاكل نفسيه نتيجة الرعب والهلع من الموت اليوم، حتى إن «منهم من فقد رفيقه على مقعد الدراسة ورأى دماءه تملأ ثيابه». وتضيف: «حل هذه المشاكل النفسيّة يكون بمساعدة الأهل والمدرسة».
بات الأمر مألوفاً أو أراده الدمشقيون أن يصبح كذلك، فيوميات العاصمة لا تخلو من قذائف الهاون التي لم تعد سبباً ليؤجّل أحد عمله. رغم كل السواد وضجيج الحرب يصر أهل الشام على تجرّع كأس الأمل... وكلمة «الله بيهوّن» مفتاح أحاديثهم.