دمشق | لم يكن الأسبوع الحالي طبيعياً على المستوى الاقتصادي في سوريا، فقد «جنّ» السوريون من التسارع الكبير وغير المسبوق في انخفاض قيمة عملتهم الوطنية أمام ارتفاع أسعار صرف الدولار. النشرة الفلكية لأسعار صرف العملات الأجنبية أمام الليرة، كما وصفها غالبية السوريين أمس، كانت تشير إلى وصول سعر الدولار الواحد إلى ما يتجاوز 200 ليرة، ليكون بذلك حديث الساعة والجلسات وصفحات التواصل الاجتماعي التي تناقلت أخباره، متناسية أخبار الحرب الجارية في المناطق الساخنة من البلاد، حيث أضحت منذ الآن تحت هاجس «انهيار العملة»، كما يصف ذلك أحد المحللين الاقتصاديين لـ«الأخبار»، رافضاً الكشف عن اسمه.وهذا ما دفع حاكم مصرف سوريا المركزي أديب ميالة إلى إعلان أنه اعتباراً من يوم غد سيعود المصرف لتلبية طلبات المصارف لشراء القطع الأجنبي لتمويل المستوردات وفقاً لاحتياجات السوق وحسب سعر يحدده المصرف المركزي بعد تسلّمه طلبات المصارف، بحيث يضمن السعر المذكور عدالة التسعير للسلع والبضائع في السوق من جهة وإعادة سعر الصرف إلى مستوياته الطبيعية من جهة ثانية.
كذلك أعلن قيام المصرف المركزي وبشكل فوري ضخ القطع الأجنبي عن طريق مؤسسات الصرافة والمصرف التجاري السوري بأسعار مقبولة، بهدف تلبية طلبات المواطنين لشراء القطع الأجنبي، حيث سيتم بيع المواطنين القطع الأجنبي المطلوب وفق الانظمة السارية حالياً، التي تقضي ببيع المواطن مبلغ 1000 يورو شهرياً.
وأكد ميالة أن الارتفاعات الحاصلة في أسعار الصرف غير مبررة، وأن الإجراءات المتخذة من شأنها معالجة الأسباب التي تقف وراء هذه الارتفاعات.
ولا يخفي المحلل الاقتصادي انتقاده لمصرف سوريا المركزي على بيعه كميات من الدولارات لشركات الصرافة في توقيت كان الأجدى فيه الاحتفاظ بها لهذا الوقت، واقتصار صرف الدولار على تمويل المستوردات الغذائية والدوائية حصراً كي لا يُبدَّد القطع الأجنبي، مشيراً إلى أنّ لهذه الخطوة التي يشتبه في أن يكون من ورائها «صفقة فساد» دوراً في وصول أسعار الصرف إلى هذا الحد.
تحميل المسؤولية للمصرف المركزي، كان في صدارة تحليل الدكتور ياسر مشعل من كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، والمطلع على أسواق الصرف، من خلال «سوء إدارته» للأزمة وفقدانه للصدقية لدى غالبية السوريين، مبيناً أنّ المصرف اتبع سياسة اقتصادية مجتزأة من خلال المزايدات التي اتبعها وضخه للسيولة لدى شركات الصيرفة الذي كان أغلبها «غير وطني»، وحبل سري مغذٍّ للسوق السوداء.
وبحسب مشعل، إن ما حصل من تدهور في سعر صرف الليرة خلال الأسبوع الحالي، جاء نتيجةً «طبيعية» للتصريحات المتناقضة للفريق الاقتصادي والعجز عن إدارة الأزمة، الذي بدا واضحاً من خلال تخبط وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية في قراراتها «المترددة» المتعلقة بإجراءات إيقاف تمويل التجار للاستيراد، وهو ما أدى إلى زيادة الضغط على الدولار.
ما سبق ليس السبب الوحيد لتدهور سعر صرف الليرة، فهناك وفق مشعل عوامل موضوعية إضافية تتعلق بتدهور الاقتصاد السوري وضعف الإنتاج وتناقص الاستثمارات في البلاد ومعدلات البطالة العالية.
وبحسب أحد المراقبين للواقع الاقتصادي والسياسي، فإن الإجراءات «المتأخرة» التي بدأت الحكومة السورية اتباعها من خلال إيقاف الصرافين الذين يتلاعبون بالأسعار من السوق ليكونوا عبرة لغيرهم لم تحدث التأثير المتوقع بسبب التطورات السياسية.
وبهذا الشأن، يشير مصدر سوري مطلع لـ«الأخبار» إلى أنّ التسارع الدراماتيكي في ارتفاع سعر صرف الليرة مرتبط بالتطورات السياسية، وخاصة الموقف الأميركي المتعلق بتسليح المعارضة. وهنا تحرك تجار الدولار لجمع أكبر قدر ممكن من العملة الصعبة، حفاظاً على قيمة ادخاراتهم للعملة السورية التي يتوقعون تدني سعرها في حال أيّ تدخل عسكري خارجي.