حمص | لن يخيّل إليك أمام مشهد القلعة المهيب، المطلّة على قرى وادي النصارى، أن الموت سيأتي من هُناك بهذه الوحشية كلّها، حيث دخل عناصر «جند الشام» من قرية الحصن الجارة، مستخدمين أسلحة كاتمة للصوت، وتوغلوا في قرى الوادي. والبداية كانت من حاجز الفاروق أول قرية الناصرة، واستمر تقدّمهم في عمق القرى المحيطة على حاجز آخر قرب دير مار جرجس في قرية المشتاية، إضافة إلى حواجز أخرى عدة في السان جورج والنافعة. التقدّم حصل بالتزامن مع اشتداد القنص على جميع قرى الوادي وإصابات دقيقة بين المدنيين، ليتمكن المسلحون من قتل كل من اعترض طريقهم. حافلة تقلّ مدنيين عائدين من إحدى السهرات لاقى ركابها حتفهم على أيدي زوّار الليل الدخلاء. سيارة أخرى لم تسلم من الموت المتسلل إلى القرى الآمنة، فكانت الحصيلة 11 شهيداً، بينهم ستة مدنيين، وسبعة جرحى في ليلة حامية لم تشهد المنطقة شبيهاً لها من قبل. «جند الشام» الذين قدم معظمهم من لبنان، وبعضهم ليبيون من «جبهة النصرة»، استوطنوا قرية الحصن، وأصبحوا رمزاً لنكبات وادي النصارى اليومية منذ قرابة سنتين. ويرى بعض أبناء الوادي أن أهالي الحصن متورطون في التعاون مع المسلحين، ما أدى إلى تشنج في تشييع الشهداء خلال اليومين الماضيين من قبل المشاركين الذين طالبوا الدولة بالقيام بمسؤولياتها وحماية الوادي من «غُزاته». أجراس كنائس الوادي تابعت رنينها الحزين، بعد «جناز» لراحة نفس ثلاثة شهداء في مرمريتا خلال يوم المجزرة الأول، وشهيد آخر في الناصرة، فيما شاركت إحدى كنائس حي الأرمن في مدينة حمص بقداس لراحة نفس شهيدة مقيمة فيه. «انتبه قناص»، كلمة تسمعها طوال الطريق إلى الناصرة، إلا أن التحذيرات كلّها لم تعد تنفع بالنسبة إلى سكان قرى الوادي الذين حوّلوا طريقهم اليومي المكشوف كلّياً على قناصي الحصن إلى طريق الحواش ـــ الناصرة، مروراً بالدغلة. معظم الشهداء والمصابين من قرى عناز والحواش وعين العجوز والناصرة والمشتاية. الهجوم على الوادي يعبّر عنه أحد أبنائه بمحاولة مسلحي المعارضة الاستعاضة عن تحرير الساحل بقرى الوادي، فالمعركة هُنا بدت للمهاجمين أسهل وأكثر سلاسة. والشعب المسالم الغارق في احتفالات أعياده الدينية والمتسامح مع صفعتي الخدين الأيمن والأيسر سيكون هدفاً سهلاً لإحراز تقدّم جديد، بما تم استقراؤه من آلية تفكير من خطط ونفّذ الهجوم. الحجّة الأسهل للهجوم هي ما سمته صفحات المعارضة «استهداف مراكز الشبيحة على مدخل المدينة الشمالي»، حيث تتمركز المدفعية وقوات الجيش السوري. رجلٌ آخر من الحواش أكّد أن الهجوم الذي لم يؤدّ إلى أي تقدّم يُحسب للمعارضة، اعتمد عنصر المفاجأة، إذ لم يتوقع أحد أن تصل الوقاحة بالمسلحين إلى الصعود نحو الناصرة، ولا سيما أن عناصر «الدفاع الوطني» قد اعتادوا بعض المناوشات الخفيفة خارج القرى، على الطريق العام المتاخم لمنطقتهم. لم يهدف الهجوم، بالنسبة إلى الرجل، إلا إلى خلق بلبلة بين سكان المنطقة الذين يقدّر عددهم بـ400 ألف نسمة، يقيمون في منطقة آمنة نسبياً. وبما أن تكتيك المسلحين حالياً الاعتماد على عنصر المفاجأة، فقد آمن أهل وادي النصارى، أسوةً بأبناء مناطق أُخرى، بأن لا حلّ لهم سوى الاستعداد الدائم لدحر أي هجوم من القرية الجارة. لا حقوق للجيرة بعد الآن بالنسبة إلى سكان مرمريتا والوادي، فالجيران لا يكونون ليبيين ولبنانيين، بحسب تعبير شقيقة أحد الشهداء. وباستمرار القنص نحو طريق عام الحواش، ينشط سلاح الجو في الجيش السوري الذي يكشف المنطقة ويستهدف أماكن تجمع المسلحين في قلعة الحصن. ولم تكن قرى الوادي بعيدة عن الأحداث الدامية، إذ تتتابع معاناة أهل الوادي مع العبوات الناسفة، وكان آخر تبعاتها استشهاد طفلة من الناصرة منذ أيام جرّاء انفجار عبوة ناسفة قرب حافلة تتجه من الناصرة إلى دمشق.
وبانتظار ما ستتمخض عنه الاجتماعات العسكرية لاتخاذ التدابير المطلوبة، لحماية القرى المستهدفة، تذكر مصادر لـ«الأخبار» استعدادات الجيش السوري لاستكمال معاركه في الحصن وريف تلكلخ باتجاه الزارة والدار الكبيرة، وصولاً إلى أحياء حمص المتبقية.



ريف اللاذقية الشمالي: «التحرير» للجيش السوري

يربط مراقبون ما جرى في وادي النصارى من توغّل لمسلّحي جند الشام بالتوغّل العبثي لمقاتلي «جبهة النصرة» في جبال اللاذقية، من حيث عدم تحقيق أيّ هدف للتقدم البرّي، باستثناء ترويع المدنيين، وإرباك الجيش والقوى الأمنية. فالجهاد الذي اشتدّ على الجبهة الساحلية سرعان ما تراجع وخفت حماسته، على وقع قصف الجيش السوري لمناطق تمركزه، بعد استعادة الجنود السوريين للمبادرة. كذلك أثّر نقل بعض القيادات العسكرية المشهود لها بالحزم والقوة من مناطق جرت فيها عمليات ناجحة كأريحا في إدلب والمعضمية في ريف دمشق إلى الساحل السوري لتسريع مجريات المعارك. جبهتا استربة والحمبوشية كانتا الأعنف خلال الساعات الأخيرة، مع استمرار القصف المدفعي من قبل الجيش السوري على مناطق سلمى، ومرج خوخة، وربيعة التركمانية، ليصل الأمر إلى حدّ تبرّؤ قائد كتيبة «الشهيد حسن أزهري»، التابعة لـ«جبهة النصرة» في جبال اللاذقية، من كلّ من لا يتحرك لتخفيف الضغط عن جبهة التركمان، في وقت استعاد فيه الجيش السيطرة على بلدة القليعة وجبل الشيخ نبهان، ويتابع تقدمه باتجاه جبل خميس. المقابر الجماعية التي يكتشفها الجيش تباعاً هي أبرز ما يتخلل معارك الريف، بالتزامن مع حملات الدهم في حيّي العوينة والسكنتوري والقبض على ثلاثة مطلوبين بتهمة التورط في دعم المسلحين في ريف اللاذقية.
ومن بين قتلى المسلحين في عمليات الريف الشمالي من هم من الجنسية التونسية، ومن بينهم أبو عبدالله المدوكي وحمزة المسلاتي وأسامة المسلاتي إضافة إلى أحمد نجم.
وكان الجيش السوري قد أعاد السيطرة، أول من أمس، على قريتي بيت الشكوحي وأبو مكة وتلالها.