بفاصل ساعات، وجدت إسرائيل نفسها كمن أُسقط في يدها، فلم تجد أفضل من الاعتصام بالصمت وسيلةً لاحتواء الصدمة التي أحدثها التحول في الموقف الأميركي وسط حلبتها السياسية. صمتٌ تعممت بشأنه تعليماتٌ مشددة من رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، على أعضاء الحكومة تضمنت الطلب منهم عدم الإدلاء بأي تصريح يتناول التذبذب في موقف «الحليف» الأميركي نظراً الى حساسية الموضوع.
ووفقاً لما ذكرته وسائل إعلام عبرية، فإن نتنياهو، الذي «يرغب جداً في رؤية عملية عسكرية موضعية في سوريا تعيد الصدقية والردع لواشنطن في المنطقة»، دعا وزراء حكومته في اجتماعها الأسبوعي صباح أمس إلى «التصرف بمسؤولية» وعدم إطلاق «التصريحات الخاصة» التي لا تخدم مواطني إسرائيل، مشدداً على محافظة إسرائيل على «علاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأميركية».
إلا أن حظر التعليق الذي فرضه نتنياهو على وزرائه لم يحل دون تسريبات من هنا وهناك، نقلتها وسائل الإعلام العبرية عن مسؤولين، بقوا مجهولي الهوية، عبّروا عن حقيقة ما يدور في أروقة الحكم في تل أبيب من سلوك البيت الأبيض.
ولعل ما ذكرته صحيفة «معاريف» نقلاً عن أحد هؤلاء المسؤولين المجهولين يلخص الرؤية الإسرائيلية لهذا السلوك، إذ وصف الرئيس الأميركي بـ«الجبان» الذي «لا يرغب في الهجوم (على سوريا) ويبحث عن مستمسكات لذلك»، فيما رأى مسؤول آخر أن إحالة أوباما قرار الهجوم إلى الكونغرس «محاولة لشراء الوقت من أجل البحث عن حلول دبلوماسية تحول دون الهجوم». أما «إذا قررت أميركا ألا تهاجم»، بحسب ما نقلت «يديعوت أحرونوت» عن مسؤول ثالث، فإن ذلك «سيكون مشكلة» وسيتسبب «بضرر استراتيجي» على مستوى الهيبة الأميركية في المنطقة، وخصوصاً في ما يتصل بمعالجة الملف النووي الإيراني.
ومن المعلوم أن إسرائيل تنظر إلى المقاربة الأميركية للملف السوري بعين إيرانية، وتعتبر أن سلوك واشنطن حيال اجتياز دمشق للخط الأحمر الكيميائي يشكل معياراً لقياس سلوكها المحتمل حيال اجتياز طهران للخط الأحمر النووي. وبرغم التحفظ الإسرائيلي الرسمي عن إجراء هذه المقايسة علناً، فإن الخيبة التي تسبب بها موقف أوباما الأخير دفع ببعض السياسيين الإسرائيليين إلى اختراق هذا التحفظ، ومنهم وزير الإسكان، أوري أريئيل، الذي كتب في حسابه الخاص على «فايسبوك» أنه «إذا كان أحد ما يعتقد بأن هذا الرئيس (أوباما) سيهاجم إيران بناء على أدلة معينة تفيد بأن الإيرانيين تجاوزوا الخط الأحمر باتجاه السلاح النووي فهو كما يبدو واهم وهاذٍ».
ومهما يكن، فإن مصادر إسرائيلية عزت تراجع أوباما عن قرار الهجوم الفوري على سوريا إلى خشية تملكته جراء ما حصل في البرلمان البريطاني واستطلاعات الرأي التي تشير إلى معارضة أغلبية الجمهور الأميركي لهكذا هجوم، فضلاً عن تفكك الحلف الدولي من حوله. ورأت هذه المصادر أن ما فعله أوباما تسبب بفقدان الزخم لأي هجوم مستقبلي، ما سيجعل هكذا هجوم غير فعال. وانتقدت المصادر تأجيل الهجوم على سوريا، معتبرةً أنه يخلق صعوبات جمة للحكومة والجيش في إسرائيل، إذ سيكون مطلوباً منهما تمديد حالة التأهب لأسبوعين على الأقل.
إلا أنه وفقاً لتقارير إعلامية، فإن نتنياهو أشار خلال جلسة الحكومة إلى أن التوتر لا يزال بعيداً عن الانتهاء، بالرغم من تأجيل الهجوم على سوريا. ونسب موقع «معاريف» عن نتنياهو قوله «نحن في قلب حدث متدحرج، والأمر لم ينته، ويوجد هنا مواضيع حساسة». وضمن هذا الإطار، ذكرت صحيفة «هآرتس» أنّ نتنياهو كان قد تلقى اتصالاً هاتفياً من أوباما قبل أربع ساعات من خطاب الأخير ليل السبت الأحد أبلغه فيه بما يعتزم الإقدام عليه لجهة إحالة قرار الهجوم إلى الكونغرس. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين إسرائيليين كبار قولهم إن الحديث بين الزعيمين تناول تنسيق الخطوات في ما يتعلق بالشأن السوري.
وعلى المستوى الميداني، بدت إسرائيل أمس بمواجهة معضلة داهمة تمثلت في كيفية التصرف مع حالة الجهوزية والتأهب التي كانت قد وصلت إلى ذروتها ليل السبت الأحد، بناء على الاعتقاد بأن الهجوم الأميركي على سوريا سينفذ خلال ساعات. وكانت المفارقة أن أوباما أدلى بكلمته في وقت كانت فيه القيادة العليا للجيش الإسرائيلي منعقدة لإجراء آخر المستجدات في تقدير الوضع بعدما كانت قد تثبتت من وضعية الجهوزية في جميع الوحدات على مدى الأيام الماضية. ومساء أمس، أفيد عن تسريح جنود الاحتياط الألف الذين تم تجنيدهم قبل أيام عن خفض حالة التأهب في كل من قيادة المنطقة الشمالية وسلاح الجو، فيما تم الإبقاء على بطاريات «القبة الفولاذية» التي تم نشرها في الوسط والشمال تحسباً لأي طارئ، كما أُعلن عن الاستمرار بفتح مراكز توزيع الأقنعة الواقية.
إلى ذلك، هدّد رئيس الأركان الإسرائيلي، بني غانتس، بالردّ على أي ضربة من المحتمل تعرض إسرائيل لها في حال بدء الضربة الأميركية المتوقعة، محذراً من «أنّ خسارة العدو ستكون حارقة وقاسية».