انتقد موقع «مون ألاباما» قلة المسؤولية من قبل الخارجية الأميركية ومن وسائل الإعلام في الولايات المتحدة في سرعة التوصل إلى استنتاجات تؤكد استخدام غاز السارين في الغوطة الشرقية للعاصمة السورية في ٢١ آب الماضي. وأكد الموقع في تحليل مفصل أن التشابه بين غاز السارين ومبيدات الحشرات الكيميائية كبير، وأن الغاز يتبخر بسرعة ولا يمكن الاستدلال على استخدامه من عينات من الجسم كالشعر والدم والبول بنحو علمي دقيق إلا وفق تحاليل تفصيلية معقدة.
وقال الموقع، فيما يؤكد وزير خارجية الولايات المتحدة وجود إثباتات على استخدام غاز السارين السام في الغوطة الشرقية من دمشق، يناقض خبراء الأسلحة الكيميائية هذا الزعم على أسس علمية. وكان جون كيري قال في مقابلة متلفزة «علمنا من خلال العينات التي تلقتها الولايات المتحدة من شهود مباشرين في شرقي دمشق، ومنها عينات من الشعر والدم أجريت عليها فحوص مخبرية، أن النتائج كانت موجبة وتحمل بصمة السارين».
وفي المقابل، يقول مؤلف كتاب للجيش الأميركي بعنوان «الجوانب الطبية من الحرب الكيميائية» في الفصل ٢٢ بوضوح، «إن التوصل إلى استنتاجات بناءً على البصمة الكيميائية في العينات البيولوجية كاذب».
كذلك فإن تحليل عناصر بيولوجية كالدم والبول ليس أسلوباً تشخيصياً سليماً يصلح تتبّعه لمعرفة الإصابة الأصلية. والسبب يعود إلى أن غاز السارين الذي يكون في الحالة السائلة في درجة الحرارة الاعتيادية داخل غرفة مثلاً، يتبخر بسرعة. وبعد ساعات من التعرض للسارين يكون من شبه المستحيل العثور على عينات نقية منه على الجسم أو داخله. فجزيئات السارين تتفاعل مع الجزيئات الأخرى وتتحلل.
لذلك فإن ما يمكن العثور عليه في العينات البيولوجية من جسم شخص تعرض للإصابة بالسارين هو مجرد مواد متحللة من الغاز. مواد متحللة يمكن أن تنتج أيضاً عن التعرض لمواد كيميائية أخرى على غرار مبيدات الحشرات المستخدمة زراعياً. والمواد الفوسفاتية العضوية المصنعة كيميائياً يمكن أن تؤدي إلى التحلل الذي يتأتى من الإصابة بالسارين.
وفي هذا الصدد، يستشهد الموقع بدان كاجيتا، الملازم الكيميائي في الجيش الأميركي، وهو من أفضل الخبراء المعروفين في علم الأسلحة البيولوجية والكيميائي الذي يقول في مقابلة أجريت معها أخيراً،
«هناك عدد من التقارير التي زعمت ثبوت استخدام غاز السارين من خلال اختبارات أجريت على عينات من الشعر والملابس والدم والأنسجة والبول. وهناك على الأقل دراسة واحدة تظهر إمكان استنتاج وجود غاز الأعصاب من خلال فحص الطب الشرعي لجثة مرّ أسبوع على وفاة صاحبها».
ويقول الكاتب إن المتوفى بالسارين لا يعثر في داخله سوى على القليل من مادة أسيتيكولينستيراس، أو تنعدم كليّاً. ولا بد من ملاحظة أن ذلك إنما يدلّ فقط على وجود غاز الأعصاب، ولا يعني تحديداً وجود السارين دون أي غاز أعصاب آخر أو حتى تسمّم بمبيدات الحشرات الفوسفاتية العضوية. كذلك لا يمكن أن تدلّ بنحو قاطع على أن غاز الأعصاب كان السبب الفعلي للوفاة، لأن من الجائز أن تكون عوامل أخرى قتلت الضحية، كالصدمة التقليدية مثلاً. ومن المواد المتحللة في الجسم نتيجة التعرض للسارين حمض ميثيلفوسفونيك. وتظهر دراسة أنه يمكن تشخيص هذه المادة في البول من خلال الكشف الطيفي. وهذه المادة تحديداً لا يقتصر ظهورها على الإصابة بالسارين وحده.
ويتساءل الخبير الأميركي «هل يمكن أن ينتج من الإصابة بمواد أخرى نتائج مخبرية كاذبة مضللة تدل على السارين؟»، ويردّ بالإيجاب قائلاً «بصورة عامة، كلما كانت عملية التقصي معقدة ومكلفة، تقلص مجال الخطأ في النتائج. ذلك أن النتائج الخاطئة تتوقف كلياً على أسلوب الرصد. فالتحليل الطيفي يتعرض غالباً للتضليل من مواد كيميائية ذات أوزان نووية جزيئية مشابهة للسارين. والمبيدات العضوية الفوسفاتية مشابهة للمواد الكيميائية كأسلحة غاز الأعصاب الكيميائية، وبالتالي يمكن أن توصل إلى نتيجة كاذبة.
ينتقل المحلل إلى أن عينات الشعر والدم التي اختبرها الأميركيون جاءت من طرف المعارضة دون مراقبة خالية من العيوب والثغرات على امتداد مراحل النقل. مع ذلك، لم تدل الفحوص المخبرية على أنها أثبتت الإصابة بالسارين أو بمبيدات الحشرات، أو بنوع آخر من المواد الكيميائية. كذلك فإن من المهم تذكر أنه حتى الدليل القاطع على الإصابة بالسارين أو بمبيدات الحشرات على أنواعها لا يدل بتاتاً على كمية المواد التي تعرض لها المصاب وعلى من المسؤول عنها. وعليه فإن مسؤولية المتمردين في سوريا يمكن أن تكون بنفس قوة مسؤولية الحكومة. فالمتمردون الذين يريدون تدخل الولايات المتحدة لمصلحتهم لديهم أيضاً حافز قوي لوقوع حادث من هذا النوع».
محلل الموقع يأخذ على وسائل الإعلام تجاهلها كل هذه الحقائق وهي تزعم استخدام السارين، ويتهمها بقلة المسؤولية، لأن الحكومة الأميركية نفسها لم تتوصل إلى هذه الخلاصة القاطعة.