دمشق | تاريخياً، لم تعش دمشق تفاصيل الحرب العسكرية في العصر الحديث، فحتى في الحروب التي خاضتها سوريا، كانت العاصمة تنعم بحيّزٍ لا بأس فيه من الاستقرار، بمقابل اشتداد وطيس الحرب على الجبهات. هذا ما يجعل بعض المحللين العسكريين يذهبون إلى الاعتقاد بأنه، فيما لو تحقق العدوان الغربي على سوريا، فستكون العاصمة السورية أمام تجربة تخوضها للمرة الأولى، ولا سيما ما يخص جانب الإجراءات الوقائية والخدمات الخاصة بالحرب. ومع اشتداد التصعيد الإعلامي حول جدية الغرب في سعيه إلى العدوان، تزداد هواجس بعض السوريين الراغبين في معرفة الإجراءات الوقائية الحكومية، إن أصبح العدوان واقعاً لا مناص منه. «لا أدري إن كانت هذه نعمة أو نقمة، فنحن شعوب محور المقاومة لا نفكر كثيراً في مخاطر الحرب، تعلمنا أن نخوضها بلا خوف أو فزع. لكن برأيي علينا اليوم أن نجهز أنفسنا جيداً لتأمين عائلاتنا من أطفال ونساء وشيوخ، علينا ألا ننتظر الحكومة كي تقول لنا إنها فعلت هذا، نحن الشباب السوري يجب أن نبدأ العمل الشعبي من تلقاء أنفسنا»، يقول محمود الكبرا (45 عاماً). ويضيف في حديثه لـ«الأخبار»: «أملك مع أخوتي نادياً رياضياً، جهزنا القبو الواسع في النادي، لنستعمله ملجأً عاماً لسكان المنطقة إن شنت أميركا عدوانها علينا. ونفكر اليوم جدياً في طرق كثيرة لمساعدة المدنيين آنذاك». الجدير بالذكر أن العديد من أصحاب المحال التجارية، وأصحاب الأقبية السكنية في دمشق، بدأوا يفكرون بهذه الطريقة، وبعضهم باشر التنفيذ، وهو ما يفاجئ البعض من أصحاب الرأي القائل بضعف ثقافة الطوارئ عند شعوب المنطقة.
تحتوي غالبية الحدائق العامة في دمشق على ملاجئ تحت سطح الأرض، بعضها أنشئ في السنوات القليلة الماضية، والبعض الآخر موجود فيها منذ سبعينيات القرن الماضي، أي منذ حرب تشرين 1973. إلا أن ملاجئ عدة مغلقة منذ زمن بعيد، ما يجعل من مهمة تجهيزها وإعادة تأهيلها، ليست بالسهلة. أما العائق الآخر الذي يواجهه الدمشقيون، فهو أن عدد الملاجئ النظامية الموجودة لا يكفي لاستيعاب الحجم الكثيف للقاطنين في العاصمة، فيصل عدد سكانها، حسب الإحصاء الرسمي قبل الأزمة، وقبل موجات اللجوء الداخلي إليها، إلى مليونين وستمئة ألف نسمة، وهذا ما يفتح الباب للاعتماد على المبادرات الفردية من قبل مالكي الأقبية والمستودعات. يروي زاهر شيخ الأرض، أحد سكان حي الميدان الدمشقي، تفاصيل عمله مع مجموعة من شباب الحي لتأمينه في حال العدوان، فيقول: «لدينا في الحي ملجآن نظاميان كبيران، بالإضافة إلى الملاجئ الموجودة في الأبنية الحديثة. المشكلة كانت أن بعض مالكي الأبنية الحديثة أجّروا هذه الملاجئ لبعض ورشات الخياطة، بشكل غير قانوني، فاتفقنا مع مجلس المحافظة على إجبار أصحاب هذه الأبنية على إخلاء الملاجئ، تحسباً لأي طارئ قد يحصل في الحي». ويعقب: «وقد قمنا كذلك، بالتأكد من جاهزية صفارات الإنذار الموجودة في الحي، فبعدما كانت تعاني من تقطع بعض كابلاتها وتآكل بعضها الآخر، قامت الفرق المختصة في وزارة الكهرباء بإصلاحها، وتأكدنا من ذلك بأنفسنا. لسنا الوحيدين الذين يعملون بهذا الشكل، ففي العديد من المناطق تم تشكيل مجموعات أهلية من الشباب للعمل على رفع جاهزية مدننا».
وللوقوف عند آخر الإجراءات التي اتخذتها المحافظة، اتصلت «الأخبار» بمحمد حسن الحمصي، عضو مجلس محافظة دمشق، ولدى سؤالها له عن عدد الملاجئ الموجودة في العاصمة، قال الحمصي: «لا يوجد إحصائية واضحة لعدد الملاجئ في دمشق، لكن المحافظة قامت بكل الاجراءات اللازمة لتأمين هذه الملاجئ، من حيث التنظيف والإدارة والإضاءة والتجهيزات الضرورية، ويقوم مجلس المحافظة بجهود حثيثة للاستفادة من معظم المساجد والكنائس والمدارس، بحيث تتحول أقبيتها إلى ملاجئ تتسع لغالبية سكان دمشق». وفي التفاصيل، أشار الحمصي إلى «تقسيم المدينة إلى أربعة أقسام، بهدف تأمين سيطرة أكبر على مجريات الأمور في العاصمة، إن طرأ أي عدوان، بحيث تشتمل هذه السيطرة على كافة المستلزمات من الماء إلى الطعام والاتصالات والكهرباء والمخابز وغيرها». وأكد أن «التجهيزات هذه مخطط لها بحيث تكون قادرة على مباشرة العمل قبل 48 ساعة من العدوان، فيما لو تأكدت الضربة». وكشف في حديثه أنه «قيل لنا من قبل الجهات المعنية، إن هناك مفاجآت حقيقية ستظهرها دمشق على صعيد الاستعدادات والتقنيات المتبعة في تأمين سكانها من آثار العدوان الغربي».
وتبرز مشكلة المناطق الساخنة، التي تشهد بالأصل اشتباكات عسكرية بين الجيش السوري والمعارضة المسلحة، كعائق إضافي في تأمين خدمات الحرب، حيث إنّ من الصعب على البلديات أن تعمل على تجهيز الملاجئ في هذه المناطق، بسبب صعوبة الوصول إليها. يؤكد فؤاد شيباني، أحد سكان حي التضامن في جنوبي دمشق: «أصلاً نحن نعيش تحت النار يومياً، منطقتي تسيطر عليها العديد من الكتائب الإسلامية التي لا تسمح لنا بمغادرتها، فنحن بالنسبة إليها دروعٌ بشرية تحميها من القصف. إن اعتدت أميركا علينا فلن أغادر بيتي إلى أي مكان، وليعلم الجميع أن لأميركا عملاء على الأرض، يحرموننا حتى حق النزول للملاجئ!».
تبدو دمشق متأهبة للعدوان، حتى ولو أن الغالبية من سكانها ما زالوا يرفضون الانصياع إلى الخوف من الحرب وتبعاتها، إلا أن حركة الأسواق باتت تؤكد أنهم بدأوا بالتجهيز جدياً لها، للتقليل من حجم الخسائر البشرية التي قد تنتج منها، ولا سيما أن بعض تجار دمشق قد استثمروا الحرب، وبدأوا بالترويج لضرورة تخزين الاحتياجات السكانية قبل انعقاد جلسة الكونغرس الأميركي.