حتى اللحظة، لم تتضح هوية زعيمي تنظيمي «القاعدة» في سوريا (جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام). وما ينشر أو يبث من قبلهما، لا يتجاوز رسائل صوتية أو مكتوبة من مصدرين مجهولين، وربما من المصدر ذاته. كذلك لم يتضح، بشكل جليّ، منبع تمويل التنظيمين، رغم أحاديث عن احتمال قدومه من العراق، أو غيره من مراكز التنظيم الجهادي العالمي. يضاف إلى ذلك فتح قنوات التمويل المحلية، والمتمثلة في واردات المعابر الحدودية، وكذلك النفط الذي يباع إلى شركات تركية وباعة محليين بطرق غير رسمية.
يتحدث نشطاء مطّلعون لـ«الأخبار»، عن أن التنظيمين، كما غيرهما من الفصائل المسلحة في سوريا، يحاولان باستمرار جذب المزيد من المقاتلين إلى صفوفهما، بهدف توسيع رقعة نفوذيهما. وتالياً، فإنهما يواصلان مهمة البحث عن «مجاهدين» محليين، ولا سيما في الأرياف، لتوسيع رقعة سيطرتهما، ما يجبر فرعَي «القاعدة» على استخدام وسائل جذب، أبرزها التلويح بوجود «خزائن المال» للوافدين بمعنى «المبايعين»، حيث «الغنائم» التي توزع على «المجاهدين» مع تحقيق أي «نصر» ميداني داخل سوريا.
ولد تنظيم «الدولة الإسلامية» من اندماج مقاتلين من «جبهة النصرة» مع فرع «القاعدة» في العراق المعروف باسم «دولة العراق الإسلامية» في شهر نيسان الفائت، تحت قيادة زعيم «القاعدة» المفترض في العراق أبي بكر البغدادي، وهي خطوة رفضها زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري ورفضها أيضاً زعيم «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني. لكن رغم الاختلاف المزعوم، لم يشُذّ التنظيمان عن السير نحو مناطق الثروة في سوريا (المعابر والنفط).
وبالرغم من طغيان العنصر السوري على مقاتلي «الدولة الإسلامية»، يُلاحظ وجود أعداد غير قليلة من المقاتلين العرب والأجانب في صفوفها. ويستذكر أمير «الدولة» في جرابلس، الملقب بـ«أبو حفص المصري»، أخيراً، عدداً من مقاتليه الذين قضوا في المعارك، منهم الشيشاني والمغربي والمصري والليبي. يأتي هذا الاستذكار على صفحته الرسمية في الموقع الأزرق «فيسبوك»، بعد عودة بعض مقاتلين أجانب في كتيبته إلى بلادهم أخيراً، وهو ربما دفعه إلى محاولة جذب السوريين عبر تقديم المزيد من الإغراءات المادية. بالرغم من أنه لم يبخل أصلاً على «المجاهدين» في تنظيمه.
في مدينة جرابلس، على الحدود مع تركيا، يقاتل أحد أبناء المدينة منذ نحو خمسة أشهر في صفوف «الدولة الإسلامية»، وذلك بعد «مبايعة» التنظيم. وعلى ما أوضحت مصادر من المدينة، اختار «المجاهد» السوري إحدى الفتيات وتزوجها على نفقة «الدولة»، التي استولت له على أحد منازل محافظ حمص السابق أحمد منير، ليسكن فيه (بمجرد التكبير على أي عقار يصبح ملكهم وفق قانونهم). وللإفادة، فإن الجبهة سيطرت على كافة العقارات العائدة لمنير، على اعتباره «عميلاً للنظام الكافر».
في منطقة تل كوجر (اليعربية)، المحاذية للحدود مع العراق، قُتل قبل نحو شهر أحد عناصر «جبهة النصرة» خلال اشتباكات مع وحدات الحماية الكردية (YPG). مصادر قريبة من أسرة «المجاهد»، المنحدر من قرية «تايه» القريبة، أفادت «الأخبار»، بأنه كان يتقاضى 80 ألف ليرة سورية (نحو 380 دولار) عن كل يوم، خلال عمله حارساً لإحدى آبار النفط. وبحسب المصدر ذاته، فإن الكثير من أبناء القرى المحيطة أصبحوا من أصحاب الأموال، جراء عملهم في مجال بيع النفط وحراسة الآبار، ذلك مقابل القتال مع «النصرة» أو تقديم الدعم اللوجستي والاستخباري لها. وبحسب المعلومات الواردة من المنطقة الشرقية، فإن الأمر ذاته يحدث في ريف دير الزور.
وعدد المقاتلين في صفوف التنظيمين قليل مقارنة بالمساحة الواسعة التي يسيطرون عليها. غير أنهما حريصان على تجنب دخول المعارك الكبيرة بمفردهما، بل يستعينان بفصائل إسلامية أخرى. وبالرغم من جذب التنظيمين عدداً كبيراً من المؤمنين بأهدافهما المعلنة، وخاصة بين المقاتلين الأجانب، لا تُستبعد الفرضية القائلة بخطورة «سياسة الغنائم» على مستقبلي «الجبهة» و«الدولة». وفي السياق، يكشف ناشط من مدينة الرقة، أنه بمجرد اغتناء «المجاهد» الذي يحارب من أجل المال، أو إحساسه بأن التنظيم لم يعد يقدم له، سيُفكر في الفرار. ويضيف الناشط: «هرب الكثير بعد الحصول على المال. وهذا متوقع، لأنه ببساطة: ليست هناك قضية أخرى».
ويشرح أحد سكان مدينة تل أبيض الحدودية مع تركيا، التي تسيطر عليها الكتائب الإسلامية المتشددة، أنهم كانوا دائماً يخشون من لحظة حاجة الكتائب المتشددة للمال، لأن ذلك يعني التوجه إلى الأهالي «بعد إفراغ مؤسسات الدولة من الأموال والمعدات والحبوب وغيرها». وبالفعل حدث ما كان يخشى منه الأهالي. وأفادت مصادر حقوقية كردية، بأنّ هذه الكتائب نهبت أخيراً، ما قيمته «مليارات الليرات السورية من المواطنين الأكراد» في مدينة تل أبيض. وبعد ذلك «طالبوا الكثير من الأسر العربية بتجنيد أحد أبنائها في صفوفها أو دفع بدل نقدي».
وتعاني «النصرة» و«الدولة» من خروقات لا ينكرها قياديو التنظيمين. ففي حوار سابق، مع إحدى المواقع المحلية التابعة للمعارضة السورية، اعترف «أبو مصعب السوري»، معاون أمير المنطقة الشمالية (حلب، إدلب، اللاذقية) في «الدولة الإسلامية» بوجود خروقات في التنظيم. وقال حينها، إن «النصرة» و«الدولة»، مخترقتان «من قبل المهاجرين الذين يزرعهم النظام أو من قبل الأنصار». وكذلك هناك «عملاء» لجهات خارجية و«أجهزة مخابرات دولية» ضمن صفوف «الدولة»، على حد تعبيره.