يستمر التحرك الأميركي ــــ الروسي ــــ الاممي (الاخضر الابراهيمي)، كلّ على حدة، مع أفرقاء المعارضة السورية والدول الداعمة لها، للحصول على التزامها غير المشروط بحضور مؤتمر «جنيف 2» في 22 كانون الثاني المقبل. وتكشف مصادر دبلوماسية ان تحديد موعد المؤتمر لم يأت نتيجة استطلاع رأي الدول الإقليمية المعنية بالملف السوري، بل نتيجة شعور الشريكين الروسي والأميركي بوجوب استغلال مناخ الاندفاعة الدولية لحل الملفات الساخنة في المنطقة، وهو المناخ الذي خلقه اتفاق «النووي الايراني». وترى المصادر ان وطأة الاعتراض الاقليمي على نجاح «جنيف الإيراني» بدأت تخف نظراً الى صمود الإرادة الدولية في مواجهة المشاغبة عليه، وأن هناك رهاناً على اسقاط الاندفاعة الدولية في شأن «جنيف 2» السوري. وقد حُددت مساحة لاختبار امكان نجاحه، تمتد حتى العشرين من الشهر المقبل، وهو موعد ضربه الشركاء الثلاثة الأميركي والروسي والإبراهيمي، لجوجلة ما توصلت اليه مساعيهم مع كل أطراف المعارضة والدول الداعمة لها.

روسيا والاسد

وترصد المصادر مجموعة وقائع مستجدة اصبحت مسلّمات لم يعد بالامكان تغييبها عن مسار حل الازمة السورية انطلاقا من مؤتمر «جنيف 2»، منها ان روسيا نجحت ــــ عبر حملة دبلوماسية دولية بعيدا من الانظار، منذ ابرام اتفاق تفكيك الترسانة الكيميائية السورية ــــ في إعادة تلميع صورة الرئيس بشار الاسد عالمياً، وتقديمه كعنصر مهم في عملية نقل سوريا من حال الفوضى الى الاستقرار. وساعد موسكو على النجاح في هذه المهمة، السلاسة التي امتازت بها عملية تنفيذ الاتفاق الكيميائي التي دخلت المرحلة الثانية الأخطر، وقوامها تدمير المخزون الكيميائي.
وتلفت المصادر الى ان فكرة دعوة القوى الإقليمية الى مؤتمر «جنيف 2» في الموعد المحدد له، لا يزال ينظر اليها، حتى من قبل الأطراف التي خططت لها، بوصفها مخاطرة. ويجري في هذا السياق ترداد مقولة للابراهيمي، للدلالة على نوعية هذه المخاطرة، مفادها: «يمكننا المجيء بالحصان الى منبع النهر، ولكننا لا نستطيع إرغامه على الشرب».
ويتوقع ان تنطلق مفاوضات الثلاثي الروسي ـــ الأميركي ــــ الأممي مع النظام من جهة والمعارضة والدول الاقليمية الراعية لها من جهة أخرى، انطلاقا من التباينات العديدة بينهما.
من جهته، لا يزال الائتلاف الوطني المعارض، ومعه السعودية اساساً، يصران على أجندة لـ«جنيف 2» تنطلق من بيان «جنيف 1» الداعي إلى تشكيل هيئة انتقالية من دون الاسد وتشكيل «حكومة بصلاحيات كاملة». وتقترح الرياض تصوراً ابعد اثراً ينص على ان تشمل المرحلة الانتقالية اعادة هيكلة الجيش السوري عبر دمج «الجيش الحر» فيه، على ان يعطي المجتمع الدولي لاحقاً، وتحديدا بعد تشكيل الحكومة الانتقالية، للجيش السوري بحلته الجديدة الضوء الاخضر لتصفية الارهاب في سوريا بكل أجنحته («داعش» و«النصرة» وألوية اخرى يضعها مجلس الامن على لائحة الارهاب الدولية).
في المقابل يطرح النظام تأليف حكومة موسعة الصلاحيات، يحتفظ بموجبها وزراؤه بالوزارات السيادية والامرة العسكرية والأمنية. كما يطرح النظام ثوابته لمضمون جنيف 2، وهي عدم وضع شروط مسبقة، والمطالبة بأن تبدأ الخطوة الاولى نحو الحل، بتوقف الدول عن ارسال السلاح والمسلحين الى سوريا. وفي هذه الحال فإن الجيش السوري سيكون قادرا على انهاء الارهاب في سوريا خلال ستة أشهر. كما تتشدد دمشق حيال التسوية حول مستقبل سوريا، معتبرة انها ستكون سورية خالصة فيما ينحصر الدور الاقليمي والدولي في المساعدة على ايجاد اطار للحل. اكثر من ذلك، تؤكد دمشق «انه حتى اعلان التسوية لحظة إنجازها يجب ان يتم من دمشق وليس من اي عاصمة اخرى».

بين الفيدرالية والكونفدرالية

وبحسب هذه المصادر، فان جانبا من خلفيات تمسك دمشق بمبدأ «سورنة التسوية»، يعود الى تأكيد رفضها فكرة طرحت مؤخرا في المحافل الدولية، دعت الى عقد «مؤتمر جنيف 2 دولي في غياب دمشق»، مبررة ذلك بأنه حل لمسألة استعصاء تشكيل وفد «جامع ومقنع» (لجهة تمثيله الارض) للمعارضة من جهة، و ان هذا المؤتمر يمثل إرادة دولية للحل، من جهة أخرى.
وتشير المصادر إلى ان هذا الطرح يعيد احياء توجه قادته واشنطن لفرض حل دولي على سوريا وتجبر على المضي به. وكان هذا التوجه تضمن محاولات أميركية لجس نبض امكان انشاء نظام حكم في سوريا يشتمل على نوع من الكونفدرالية، يحاكي ما هو قائم في العراق (خاصة في منطقة كردستان العراق). وترفض دمشق هذا الطرح، رغم انفتاحها في نقاشاتها الداخلية من ضمن رزمة خيارات لديها، على فكرة انشاء نوع من اللامركزية تؤمن التطوير الاداري للمناطق، ولكن شرط ان تجري تقسيماتها على اساس غير طائفي او مذهبي او اثني، والا تمس بأي حال بوحدة سوريا دولة وشعبا او بمركزية الدولة السورية السيادية، على غرار النظام الأميركي.
وفي مواجهة اقتراح نوع من الكونفدرالية، فإن النظام مصمم على خوض نضال الحفاظ على وحدة سوريا دولة وشعبا ومؤسسات سيادية. وهو نوع من النضال كانت شهدته الولايات المتحدة التي انهت حربها الداخلية بانتصار الفدراليين على الكونفدراليين، الامر الذي ضمن وحدتها.
ويجري لفت النظر في هذا المجال الى انه حتى زعماء الأكراد السوريين الذين أنشأوا نوعا من الادارة والحماية المحلية في مناطق سورية معينة، في وجه مجموعات المعارضة المتطرفة، فانهم اكدوا ان هذه المناطق لا تمثل نسيجا ديموغرافيا فئويا صافيا بل مختلطا يضم سوريين من مختلف الفئات، ما يحفظ هويتها الوطنية.