تلّ العيس الاستراتيجي (ريف حلب الجنوبي الغربي) في قبضة الجيش السوري. لا يقلّ هذا الخبر أهميّة عن الإنجاز الذي حُقّق قبل يومين في كويرس، بل ربّما فاقه في المنظور الاستراتيجي. وفي حسابات الميدان تحظى السيطرة على التلّ الحاكم بأهمية استثنائيّة في سياق هجوم مفتوح كالذي يشنّه الجيش وحلفاؤه في المنطقة.
وكان سقوط بلدة الحاضر في قبضة الجيش وحلفائه مفتاحاً لسقوط بلدة العيس وتلّها، إذ تُعتبر الأولى بمثابة خط دفاع أول تتمترس فيه «جبهة النصرة» وحلفاؤها. ومن المنتظر أن تلعب سيطرة الجيش على «تل الأربعين» الواقع جنوب شرق الحاضر دوراً إضافيّاً في تسليم المسلّحين بالأمر الواقع، وصرف جهودهم نحو التفكير في معارك قادمة بعيداً من الحاضر. وتعكس سرعة سقوط العيس حجمَ الخلل الذي تعاني منه «النصرة» وحلفاؤها، عسكريّاً وتنظيميّاً. وبتناسبٍ عكسي مع انهيارات المسلّحين المتتالية، تبدو معنويّات القوات السوريّة المتقدّمة في واحدةٍ من أفضل حالاتها منذ سنوات. وعلاوةً على الأثر النفسي المهم في معارك من هذا النوع، تتيح جغرافية المنطقة للقوات المسيطرة على تل العيس إشرافاً ناريّاً على مساحات واسعة في محيطه. ومن المُتوقع إزاء هذه المعطيات أن يعمل الجيش عاجلاً على تثبيت سيطرته وتدشيم التل سريعاً، واستقدام الآليّات اللازمة لتحويله إلى قاعدةٍ مدفعيّة شديدة الفاعلية تتيح تمهيداً ناريّاً مستمرّاً في اتجاه مركز البحوث الزراعية «إيكاردا» وأجزاء واسعة من الاوتوستراد الدولي (حلب ــ دمشق). وخلافاً للسرعة التي واصل بها الجيش عملياته على الجبهة الشرقيّة الموازية بعد فك حصار مطار كويرس العسكري، من المتوقّع أن تتّخذ القوّات البريّة هذه المرة من السيطرة على الحاضر والعيس محطّة قصيرةً، تستوجبُها ضرورات المعركة التالية والتمهيد الناري لها. ولا ينطبق هذا الكلام على القرى الصغيرة المحيطة بالعيس والحاضر، والتي يبدو من المسلّم به أنها باتت في حكم الساقطة عسكريّاً، في انتظار تحصيلٍ ميداني شبهَ مضمون يُعتبر استكمالاً لما تمّ تحقيقه أمس. وفي هذا السياق تمكنت القوات السورية وحلفاؤها في ساعة متأخرة من ليل أمس من السيطرة على قرية تل باجر جنوب غرب بلدة العيس. وفي انتظار الخطوات القادمة للجيش وحلفائه، يبرز على رأس التحركات المتوقّعة مساران شديدا الأهميّة: أوّلهما يضعُ في حسبانه بلدة سراقب المهمّة، التي تُعتبر بوابةً بين حلب وإدلب (تتبع محافظة إدلب، وتبعد 33 كيلومتراً جنوب شرق مدينة إدلب، كما تقع جنوب غرب مدينة حلب وتبعد عنها 50 كيلومتراً). أمّا ثاني المسارين فهو بدء الانعطاف انطلاقاً من الحاضر نحو شمالها الغربي، وتحديداً نحو بلدة الزربة (ريف حلب الجنوبي الغربي، 20 كيلومتراً عن مدينة حلب). وتعتبر الزربة مفصلاً حيوياً على الطريق الدولي. وسواء أقدم الجيش على فتح المسارين تباعاً، أو بالتوازي، فالثابت أنّ عنوان المرحلة القادمة من عمليات «معركة حلب الكبرى هو وضع «عزل إدلب» موضع التنفيذ الميداني («الأخبار»، العدد 2717). في الأثناء، جاءت تحركات الجيش في ريف حلب الجنوبي الشرقي موافقةً لما أشارت إليه «الأخبار» قبل يومين («الأخبار»، العدد 2738). القوّات السورية لم تدّخر وقتاً بعد نجاح عملية كويرس، وباشرت على الفور عمليّة في اتجاه المحطة الحرارية، توّجت وفق مصادر «الأخبار» بانسحاب مسلّحي تنظيم «الدولة الإسلاميّة» من المحطة، فيما باشرت وحدات الهندسة العسكريّة السوريّة تفكيك الألغام الكثيرة التي زرعها «داعش» فيها، تمهيداً لإعلان السيطرة عليها. في الوقت نفسه، كثّفت الطائرات الحربية إغاراتها على بلدة دير حافر ومحيطها. وتعتبر البلدة ثاني معقل مهم لـ«داعش» في المنطقة، وتسبقها الباب من حيث الأهميّة، وتشكّل الأولى بوابة جنوبيّة للثانية. وأفادت مصادر من السكان لـ«الأخبار» عن سماح «داعش» لسكّان دير حافر بالنزوح منها بعد إصراره سابقاً على منعهم. ووفقاً للمصادر، فقد استمر تطبيق منع المغادرة في مدينة الباب.

مرج السلطان

على صعيد آخر، حقّق الجيش السوري تقدّماً لافتاً في غوطة دمشق الشرقيّة. القوات السوريّة خاضت معارك عنيفة مع مسلحي «جيش الإسلام» وحلفائه على أسوار مطار مرج السلطان، الذي خرج من سيطرة الدولة السورية منذ عام 2012. وفيما أكّدت مصادر ميدانيّة لـ«الأخبار» تحقيق الجيش «تقدّماً كبيراً عبر السيطرة على أجزاء من المطار الاحتياطي، وكتيبة الرادار الملاصقة له»، نفى مصدر من «جيش الإسلام» صحة هذه المعلومات، مؤكداً في الوقت نفسه أن «معارك ضارية تدور في المنطقة». ويُمثّل تقدّم الجيش على ذلك المحور اختراقاً مهمّاً، يُكمل العمليات المفتوحة على مداخل دوما بمحاذاة طريق دمشق ــ حمص الدولي. وهي عملياتٌ تأخذ طابعاً أشبه بـ«القضم الاستراتيجي» الذي يوسّع هامش حركة الجيش ومناوراته حال فتح أي عملية كبرى في اتجاه دوما.