في العاشر من الشهر الجاري، كان مسؤول سوريّ رفيع المستوى يتحدّث في جلسة خاصّة عن تطوّرات نوعيّة مرتقبة في المشهد الميداني السوري. المصدر الذي شدّد حينها على أن «هذه المعلومات ليست للنشر في الوقت الراهن»، أوردَ معلومات عن بعض الاستعدادات التي يتم الإعداد لها مع «الحلفاء الروس»، وكان من بينها «دخول التوبوليف إلى مسرح العمليات الجويّة».
ورغم أن هذا الحديث جاء بعد حادثة سقوط الطائرة الروسيّة في سيناء، غير أنّ كثيراً مما ورد فيه بدا حينها في حاجة إلى وقت طويل قبل أن يجدَ طريقه إلى التطبيق. أيام قليلة بعدها، كانت كافية ليصبح استخدام القاذفات الاستراتيجية الروسيّة خبراً مُعلناً. دارت الأحداث بطريقة هيّأت مناخاً دوليّاً ملائماً لإمرار الخطوة الروسيّة من دون حفلة استنكارات دوليّة، اختصرت اعتداءات باريس الإرهابيّة الوقت، وكانت موسكو جاهزةً لانتهاز الفرصة. اليوم، يمكن الحديث بثقةٍ عن مرحلة جديدة توشك الحرب السوريّة على دخولها، مرحلة عنوانها الأبرز نقل الجيش السوري وحلفائه الحملة العسكريّة المُشتركة إلى مستويات غير مسبوقة من التصعيد، ليس ما شهدته محافظة اللاذقية خلال اليومين الماضيين سوى مقدمة صغيرة لها. مسرح العمليات قارب على استكمال التجهيزات التقنيّة واللوجستيّة اللازمة، وبتسارع يوحي بأنّ شهر كانون الأوّل المقبل سيكونُ لاهباً بطريقة تتجاوز كل التوقعات. المعلومات التي حصلت عليها «الأخبار» خلال الأيام الأخيرة تؤكد أن التصعيد الذي تشهده الحملة العسكرية في ريف اللاذقية لا يعدو كونه «تمهيداً ضروريّاً للمرحلة المقبلة». وتلحظ المعلومات أهميّة «توسيع النطاق الآمن حول معظم النقاط العسكريّة في الساحل السوري، علاوةً على الحد من قدرات المسلحين على استهداف المناطق المدنية في اللاذقيّة». كذلك، يحظى واحد من أسباب التصعيد في ريف اللاذقية باهتمام روسي خاص، وهو «مسابقة فصل الشتاء، الذي قد تُسهم ثلوجه في خلق مناخٍ يفضّله المقاتلون القوقازيون تحديداً». وتبدو الأهميّة التي يوليها الروس لتحقيق هذه الأهداف كبيرة، إلى الحد الذي يدفع إلى تجاهل كل التحفّظات التركيّة. ومن المعلوم أن أنقرة تعتبر استهداف المجموعات التركمانيّة بمثابة خط أحمر لم يأخذه الروس في الحسبان، ما دفع الخارجيّة التركيّة أمس إلى «استدعاء السفير الروسي أندريه كارلوف للاحتجاج رسميّاً، بعد ضربات للطائرات الروسية قرب حدودها مع سوريا». ووفقاً لبيان أصدرته الخارجية التركية أمس، فقد تلقّى كارلوف «تحذيراً من العواقب الوخيمة للعملية». ويفتح استهداف التركمان الباب أمام تساؤلات عن الحد الذي يمكن أن تذهب إليه موسكو في سبيل ضمان نجاح تحركاتها العسكرية في سوريا، خاصةً أنّ عدداً من الجبهات التي توشكُ أن تتوسّع العمليات العسكرية في اتجاهها تحظى بأهمية تركيّة استثنائية، وعلى رأسها مناطق ريف حلب الشمالي.

عرض لإنشاء تحالف موحّد يضمن انخراط المجتمع الدولي في محاربة الإرهاب



استكمال الجاهزية الفنيّة لعدد من المطارات العسكريّة كان واحداً من أولويات المرحلة الماضية، ومن المنتظر أن ينضمّ بعضها إلى مطار حميميم العسكري قريباً. الأخير لن يكونَ المنطلق الأساسي للطلعات الجويّة بدءاً من الشهر المقبل، وربّما اقتصر استخدامه على الحوّامات فحسب. ورغمَ وجود تنظيم «الدولة الإسلاميّة/ داعش» في مناطق قريبة نسبيّة منه، غير أن المعلومات المتوافرة تؤكد أنّ مطار الشعيرات (30 كيلومتراً جنوب شرق حمص) في طريقه ليصبح أبرز المطارات العسكريّة في هذا المجال. وجاء اختيار المطار المذكور اعتماداً على جملة معطيات فنيّة، تمنحه الأفضلية عن نظيره (حميميم). ويحوي الشعيرات مدرجي طيران أساسيين بطول ثلاثة كيلومترات، ويضم حولى 40 حظيرة للطائرات، وهو محصّن بصواريخ أرض ــ أرض وأرض ــ جو. واستضاف الشعيرات خلال الخمسة والأربعين يوماً الأخيرة خبراء ومهندسين وورشاً فنيّة بشكل مستمر، ومن جنسيّات روسيّة وصينيّة وإيرانيّة وسوريّة. كذلك، من المُنتظر أن ينضم مطار النيرب العسكري (5 كيلومترات شرق حلب) إلى قائمة المطارات الفاعلة قريباً، فيما تؤكد معلومات «الأخبار» أنّ العمل جارٍ على إعادة تأهيل معظم المطارات الواقعة في مناطق سيطرة الدولة السوريّة. وستتيح هذه التطوّرات عودة الطيران المدني الدولي إلى مدرج مطار «باسل الأسد الدولي» المتاخم لمطار حميميم، وهو الذي سبق له أن توقّف، ليقتصر الأمر على رحلاتٍ داخليّة محدودة بين المطار المذكور ومطاري القامشلي ودمشق الدولي. وفي هذا السياق تؤكد مصادر من داخل «مطار باسل الأسد» لـ«الأخبار» أنّ «المطار سيشهد في المرحلة المقبلة زخماً نوعيّاً في حركة الإقلاع والهبوط المدنيين، وبحركةٍ جويّة خاصة به (غير تابعة لمطار دمشق الدولي كما في المرحلة السابقة)». ووفقاً للمصادر، فإنّ «الأصدقاء الإيرانيين قد أنهوا منذ فترة عمليات الصيانة اللازمة لطائرتي إيرباص من أسطول الخطوط الجويّة السوريّة، وستكونان قريباً في الخدمة». القواعد الصاروخيّة بدورها شهدت خلال الفترة السابقة عملاً متواصلاً لإعادة تأهيل عدد منها، وخاصة تلك المنتشرة في الساحل السوري. وعلى سبيل المثال، فقد شهد الشهر الأخير عمليات نقل عتاد وذخيرة مكثفة إلى قاعدة زغرين (27 كيلومتراً شمال اللاذقية). كذلك، شهد طريق سلمية ــ حلب حركةً متزايدة خلال الأسبوعين الأخيرين، أفضت إلى وصول كميات من الأسلحة والذخائر تتجاوز تلك التي نُقلت قبلَ بدء الجيش السوري عمليّاته في ريفي حلب الجنوبي والشرقي.
عروض سخيّة «من تحت الطاولة»
بين التفاصيل اللافتة التي وردت في كلام المسؤول السوري، يبرز الحديث عن «عروض متتالية لصفقات سياسيّة». أحدث تلك العروض جاء سابقاً لمحادثات فيينا الأخيرة، واشتمل على ضمان الولايات المتحدة قيامَ حلفائها بتجفيف مصادر التمويل والتسليح وإغلاق الحدود، في مقابل ضمان الروس انسحاب كل القوات غير السوريّة من المشهد. العرض المذكور، ووفقاً للمصدر، تضمّن شقّاً ينص على إنشاء تحالف دولي موحّد بقرار من مجلس الأمن يضمن انخراط «المجتمع الدولي في محاربة فعليّة للإرهاب على الأراضي السورية، ولو اقتضى الأمر إرسال قوّات بريّة». اللافت، أن المصدر أشار إلى «حماسة فرنسية كبيرة لهذا الطرح»، وتنبع أهمية هذا التفصيل بشكل خاص من أنّه جاء قبل وقوع اعتداءات باريس. ماذا عن الموقف السوري من هذا الطرح؟ كلامٌ تركه المصدر من دون إجابة، على مبدأ «كل شي بوقتو حلو».