لا أذكر الأمر تماماً. أعلم أنّي كنت أقود بسرعة هائلة، وأن جدار النفق الإسمنتي كان أمامي مباشرة، وقبل اصطدامي به، شعرت بالبرد، ابتسمت، سينتهي الألم الآن قلت لنفسي. ثم أغمضت عينَيَّ وتهيّأت للموت، ربما يلتصق جسدي بالجدار قلت. بهذه السرعة لن يبقى مني شيء. ها ها. سأصبح طلاءً لهذا الإسمنت. وربما تشتعل السيارة أيضاً... آه... سيكون ذلك إضافةً رائعة إلى هذه النهاية. لكن، وبشكلٍ يختصر مأساتنا، وأنا على وشك إنهاء سنواتي الـ28، سرق أحدهم جدار الإسمنت مني: نهايتي. وأنا بقيتُ وحيداً في السيارة.كانت الساعة الخامسة صباحاً، ذلك الوقت من اليوم حيث تشعر بوجود أشياء أخرى من حولك (كائنات خماسية الأبعاد ربما). المهم، كنت أجوب شوارع بيروت بحثاً عن أمر لا أعلم ما هو. شيء أسند به هذا القلب، أو لاصق من نوعٍ ما يجمع تلك الأوردة. القلب يتمزّق. هذه حقيقة طبية، وتسمى «متلازمة القلب المكسور». ويُطلق عليها أيضاً «اعتلال عضلة القلب الإجهادي» أو «اعتلال عضلة القلب تاكوتسوبو»، إنها حالة حقيقية. وعلى الرغم من أن أعراضها تحاكي النوبة القلبية، إلا أنها ناتجة عن ضغط جسدي أو عاطفي مفاجئ. ويشمل العلاج أدوية القلب والأدوية المضادة للقلق وإعادة تأهيل القلب. لكن، وبحسب الطب، هي حالة قلبية مؤقتة ويمكن عكسها لدى معظم الناس.

(تصميم: فرانسوا الدويهي)

لم أتخيّل يوماً أن مثل هذه الأمور لا تزال تحدث. ثم من ذا الذي يسرق الجدران؟ كيف يتكئ المرء على جدارٍ لم يبنه؟ آه كم كنت ساذجاً في حينها، وبسيطاً إلى حد أتمنى لو باستطاعتي أن أعود بالزمن كي أصفع وجهي مراراً. المشكلة كانت... أجل... باتت كليشيهاً لكنها في الواقع، التعاليم المنزلية. لم يهيئني أحد لذلك «الخارج». قيل لي أن أتصرف بتهذيب ولباقة، أن أكون «مرتّباً»، وأن ألقي التحية يَمْنةً ويَسْرة. لا تنزل إلى الشارع، لا تحتك بهؤلاء. اجمدْ. اسكتْ. كن جيداً. حان وقت النوم الآن. المضحك في رحلة اكتشافي لنفسي، ومحاولتي محو ما يتلقاه المرء من أهله، أنها بدأت بعد اقتنائي لكلب. وفي أول رابط ظهر لي بعد غوغلة «الاعتناء بالكلاب»، وتحت عنوان «كيف تختبر شخصية الكلب الذي لديك؟» كانت صدمتي. الكلاب لها شخصية! 4 في الواقع: السعيد، الخائف، العدواني والمستقل. تلك الصفات من الصعب أن تقوم بتدجينها أو تغييرها. عليك أن تفهمها وأن تتعامل معها كما هي. ويمكن تعديل جزء يسير منها فقط عبر التدريب.
هل علينا أن نشجّع الطفل في داخلنا؟ أم يجب أن نقضي عليه كي ننمو؟ يأكلني هذا الصراع في رأسي.
هذه البلاد تكره الحب والمساحات العامة. أُعيد بناؤها بهدف السرقة، ولا شيء آخر غير ذلك. هذه البلاد قتلت حبيباتنا. سرقتهن. لا ألومهن، من الذكاء أن تفكر كيف سيعيش أطفالك قبل أن يولدوا. لكن، ما نفع التحليل السياسي والاقتصادي الآن. ثم إنها إلى جانب آخر. إن لي ثأراً شخصياً مع هذه الأرض، مع اللاعدالة.
يقول رياض الصالح حسين: «العدالة هي أن أركض مع حبيبتي في أزقّة العالم
دون أن يسألني الحرّاس عن رقم هاتفي أو هويّتي الضائعة.
العدالة هي أن ألقي بنفسي في البحر الشاسع
وأنا واثق بأن أحداً لن يمسكني من أذني ويقودني – مرّة ثانية إلى القبر
بدعوى أن الانتحار لا تقرّه الشرائع والقوانين.
العدالة هي أن آكل رغيفي بهدوء
أن أذهب إلى السينما بهدوء
أن أغني بهدوء
أن أقبّل حبيبتي بهدوء وأموت بلا ضجة».
لم تدم علاقتي مع ذات الشعر الأحمر الكُرلي طويلاً. حوالي 4 أشهر فقط. قرّرنا ذات يوم أن نعيش معاً، وبعد أسبوع انفصلنا. هكذا، انزاح اللحم عن بعضه وكشطت العظام. وبقيت حمّالة صدرها مرميّة على أرض الغرفة، إلى جانب كولان ممزّق. لا أعلم كيف ألتقطهما. ربما أسكب بعض الويسكي عليهما وأشعلهما في مكانهما. هذا مصير تلك الأشياء التي لا تُرد.
آه، بالعودة إلى النفق، لقد خرجت يومها منه من دون خدش. لم أرتطم بشيء. في الحقيقة، أنا لا أعلم إن نجوت فعلاً. قرأت يوماً أن الدماغ لحظة الموت، يدخل في رحلة إلى عالمٍ موازٍ للواقع. وتنسج المخيلة حياةً مشابهة لتلك التي عشتها. عملياً أنت تكمل حياتك داخل رأسك إلى الأبد. يُؤسَر وعيك. في حين أن الأبد ذاك، هو بضع دقائق في الحياة الواقعية، وكأنّ نرجسية الوعي تمنعه من الرحيل. يريدك أن تكمل مشاهدة الكون. أن تبقى مصلوباً.