في السنوات الأخيرة، ظهر نموذج جديد من الأعمال يرتكز على التكنولوجيا، ما أدّى الى ازدهار ما بات يسمى On-demand economy. ركزت الشركات القائمة على هذا النموذج على "رفاهية" العميل الذي بات بإمكانه تأدية مهمات عديدة بمجرد النقر على التطبيقات الموجودة على هاتفه. بالمقابل روّجت لـ"العمل المستقل والحر" لجذب العمال، بحيث صوّرت الأمر على أنه طريقة مريحة وسهلة لكسب المال. مثلاً، تعلن "أوبر" على موقعها أنه "عندما تعمل كسائق معها يكون لك مطلق الحرية في تحديد طريقة عملك ومدته. وبذلك لن تضطر إلى الاختيار ما بين العمل وحياتك الخاصة. اعمل حينما تشاء وحقق ما تريده من الأرباح".
لكن خلف الأحلام الجميلة التي رسمها هذا الاقتصاد ــ والتي يرغب فيها جميع العمال ــ تكمن إشكالية مخيفة في هذا النموذج الذي يقوم فعلياً على تشغيل عدد كبير من العمال، لكن من دون الاعتراف بحقوقهم تحت حجة "العمل الحر"؛ وبالتالي تصبح الرفاهية التي يقدمها، إضافة إلى فرص العمل التي يخلقها، قائمة على نسف حقوق العمال وزيادة أرباح هذه الشركات عبر التهرّب من تأمين الالتزامات القانونية والحقوقية لعمالها، من خلال الاقتطاع من أرباح العمال من دون أن يكون هناك أي التزامات تجاههم، سواء بالأجر والأمن الوظيفي أو تعويض الصرف ومعاش التقاعد أو الإجازات…

جراء هذا النموذج، بات الكثير من الناس اليوم عالقين في وظائف غير آمنة ومتدنّية الأجر


يتم الترويج لهذا الاقتصاد بأنه النموذج الذي سينقذ العالم من البطالة عبر خلق فرص عمل، إلا أنّ المروجين يتغاضون عن نوعية فرص العمل التي يخلقها هذا الاقتصاد والتي هي فرص عمل قصيرة الأمد. تتوقع دراسة لشركة "Intuit" أنه بحلول عام 2020 سيكون 40% من العمال الأميركيين "متعاقدين مستقلين". الدراسة نفسها تشير إلى أن 79% من "مزودي" الخدمات ــ لا تسميهم موظفين ــ في هذا النموذج يمارسون عملهم بدوامات جزئية. بمعنى ما، تبشر هذه الدراسة باتساع العمل غير النظامي بأكثر مما هو عليه حالياً.
«أوبر»: الشركة الأنجح... والأكثر مشاكل
اعتُبرت uber أولى الشركات التي أطلقت نموذج الأعمال الجديد، وساهمت بخلق إشكالية عالمية قائمة على تصنيف العاملين لدى الشركة وشركات أخرى تتبع النموذج نفسه. فالسائق لا يصنف كـ"موظف" إنما تعتبره الشركة "عاملاً مستقلاً"، في حين يعتبر الكثير من العمال أن جميع معايير التوظيف تنطبق عليهم، باعتبار أنهم منذ أن يفتحوا التطبيق يصبح للشركة سيطرة تامة على عملهم ويتم تقويمهم وطردهم في حال عدم تجاوبهم مع الطلبات. وعليه، يعتبر البعض أن نموذج الأعمال المطروح يشجع العمالة غير النظامية، وتواجه الشركة اليوم أكثر من 70 دعوى حول العالم من سائقين لم تعطهم "أوبر" حقوقهم ومن عملاء تعرضوا لحوادث اصطدام، وزعموا تعرضهم لحوادث تحرش واغتصاب أثناء استخدامهم التطبيق.
تجمع "أوبر" على تطبيقها طرفي الخدمة: السائق والعميل. وعليه، تصل الشركة العميل، الذي يحتاج الى أن يستقل سيارة أجرة، بسائق التاكسي المسجّل معها عبر التطبيق الهاتفي، وبالمقابل تحقق الشركة أرباحها من العمولة التي تقتطعها من السائق والتي تتراوح بين 20% و30% من سعر الرحلة. لا تعترف "أوبر" بسائقيها كموظفين، بالمقابل ليس بإمكان الشركة أن تزاول عملها من دون السائقين، من هنا نشأت إشكالية عالمية وعمّالية.


ما هي مشكلة نموذج «أوبر»؟

في الدعوى المقدمة أمام محكمة الجزاء الأميركية في كاليفورنيا، يفصّل سائقو "أوبر" مشكلتهم مع هذا النموذج. فعلى الرغم من تصنيف السائقين كمتعاقدين مستقلين "independent contractors" من قبل الشركة، فإن سائقي "أوبر" هم فعلياً موظفون، إذ إنهم مجبرون على اتباع سلسلة من المتطلبات الصارمة التي تفرضها الشركة والتي يتم تقويمهم من خلالها، وبناءً على التقويم يصبحون معرضين لإنهاء خدماتهم في حال فشلهم في تحقيق هذه المتطلبات. تفرض الشركة قواعد متعلقة بتعامل السائقين مع العملاء: نظافة السيارة والوقت الذي يستغرقه السائق لتوصيل الزبون إلى الموقع المحدد، وما يُسمح للسائقين بأن يقولوه للزبائن، وفق ما يرد في نص الدعوى.
بالإضافة إلى ذلك، تعمل "أوبر" في مجال تقديم خدمة سيارات لعملائها، وهذه الخدمة يوفرها سائقوها. وبالتالي، فإن الخدمات التي يقدمها السائقون تعتبر متحدة بشكل كامل مع نموذج أعمال أوبر، ما يعني أنه من دون السائقين لا وجود لهذا النموذج من الأعمال.
ومع ذلك، بالاستناد الى التصنيف الخاطئ الذي تتبعه الشركة لموظفيها كمتعاقدين مستقلين، يطلب من سائقي أوبر تحمّل الكثير من نفقات عملهم، بما في ذلك نفقات التنظيف والبنزين وغيرها من النفقات، في حين أن القانون ينص على تحمل الشركة هذه النفقات التي تعتبر ضرورية لتأدية السائقين عملهم. لكن، لماذا هناك مطالبات بتصنيف السائقين كموظفين؟
بإصرار الشركة على عدم تصنيف سائقيها كموظفين، تحرمهم من مكاسب نضالية بضمان اجتماعي وعطل وحدّ أدنى للأجور وتعرضهم لإمكانية الصرف في أي لحظة. جراء هذا النموذج، بات الكثير من الناس اليوم عالقين في وظائف غير آمنة ومتدنّية الأجر ومن دون صوت نقابي.


أبرز الدعاوى القضائية ضد «أوبر»

تعرّف أوبر عن نفسها بأنها شركة وساطة نقل وليست شركة تاكسي، وتستخدم هذه الحجة في العالم لتفادي إعطاء سائقيها حقوقهم. وعليه، تنبع المسائل القانونية التي تواجهها "أوبر" من صعوبة تحديد نوع الخدمات التي تقدمها ونوع العلاقة القائمة بين الشركة وزبائنها والسائقين. ففي حين تزعم أوبر أنها تقدم فقط منصة رقمية لطرف ثالث هو السائقون، أي أنها صلة وصل بين السائقين والعملاء، اتخذ العديد من المحاكم الأوروبية وجهة نظر أخرى.

لا تعترف «أوبر» بسائقيها كموظفين، بالمقابل ليس بإمكان الشركة أن تزاول عملها من دونهم

أواخر السنة الفائتة، أصدرت محكمة العمل البريطانية حكماً ينص على وجوب اعتبار سائقي "أوبر" موظفين منذ أن يفتحوا التطبيق وإعطائهم الحد الأدنى للأجور، وأجور العطل وفترات راحة. شكّل هذا الحكم انتصاراً للاتحاد العمالي في لندن الذي اعتبره انتصاراً هائلاً لـ 40 ألف سائق في إنكلترا ووايلز. فبالنسبة إلى العديد من العاملين، يشكّل هذا النموذج الاقتصادي آلية لتهرب أرباب العمل من دفع الحد الأدنى للأجور، وتوفير الأساسيات مثل الإجازات المدفوعة الأجر وفترات الراحة والضمان الاجتماعي.
في إسبانيا، قرر القضاء منع كل أعمال "أوبر" على الأراضي الإسبانية لأن سائقيها لا يحوزون رخص سوق خاصة، في حين غرّم القضاء الفرنسي الشركة 800 ألف يورو على خلفية تقديمها الخدمة "بطريقة غير قانونية".
في الولايات المتحدة الأميركية أيضاً، حكمت محكمة كاليفورنيا العام الفائت لمصلحة أحد سائقي "أوبر" بأنه يجب أن يعامل كموظف وليس كمتعاقد، لكنها لم تعمّم الأمر على السائقين كافة. هكذا تتوالى الأحكام الصادرة ضمن هذا الإطار، ما قد يعتبره البعض تهديداً لهذا النموذج من الأعمال.


* للمشاركة في صفحة تكنولوجيا التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]




أوبر vs السائقين اللبنانيين

منذ دخولها إلى لبنان، بدأت "المعركة" بين "أوبر" والسائقين اللبنانيين مثل جميع الدول عبر دعوى قضائية رفعها رئيس نقابة أصحاب شركات ومؤسسات التاكسي في لبنان شارل بوحرب ضد الشركة. يقول بوحرب، إن "أوبر" "تنتهك قانون النقل الذي ينص على أن تكون شركة التاكسي لبنانية، كذلك لا تصرح عن ضرائبها للدولة لأنه لا حسابات لها في لبنان، وهي لا تدفع ضريبة على القيمة المضافة ولا تسجل السائقين لديها في الضمان لأنها بالأساس لا تعترف بهم كموظفين". يعتقد سائقو التاكسي أنّ دخول أوبر الأسواق العالمية هو نوع من المخطط الشرير، إذ يقول بوحرب إن "أوبر تنافس في العالم بأسعار زهيدة إلى أن تفرض سيطرتها بشكل كامل على القطاع، ومن ثم ترفع أسعارها بحيث لا يحصل السائق سوى على السعر المحدد سابقاً، في حين تأخذ الشركة زيادة الأسعار".
في لبنان، لا تزال أسعار الشركة أعلى من أسعار مكاتب التاكسي، وفق بوحرب، إلا أن تحرك السائقين يهدف إلى استباق الأزمة "كي لا نصل إلى ما وصل إليه السائقون في فرنسا وبريطانيا".
في الواقع، لا تنافس "أوبر" اليوم جدياً في السوق اللبنانية، كما يقول بوحرب. المنافسة التي تفرضها الشركة تتعلق بشكل أساسي بالسياح الأجانب الذين يستخدمون الخدمة في دولهم. فهؤلاء يستعملون أوبر في الدول التي يتوجهون إليها، وليس خفياً على أحد أن هذه الفئة تشكل بالنسبة إلى سائقي التاكسي في لبنان أرباحاً وافرة. أما السكان المحليون فلا يتوجهون إلى أوبر بشكل كبير نظراً إلى ارتفاع السعر. يتخوف سائقو التاكسي من أن تعمد أوبر إلى خفض أسعارها فجأة، ما يعرضهم للخطر. ولذلك لم ينتظروا حدوث مثل هذا الأمر وقرروا وضع عقبات بوجه الشركة قبل أن تستفحل في ضربهم.







On-demand economy

يطلق عليه أيضاً "الاقتصاد التشاركي" هو نموذج اقتصادي أقامته شركات التكنولوجيا لتلبية الطلب الاستهلاكي عن طريق التوفير الفوري للسلع والخدمات من خلال التطبيقات الرقمية. يخلق هذا النموذج بيئة عمل قائمة على الوظائف بدوامات جزئية وعلى التعاقد مع عمال مستقلين، على عكس النموذج الاقتصادي التقليدي الذي يعزز العمل الثابت بدوام كامل ويؤمن الأمان الوظيفي.