بسرعة مهولة، تغيّر التكنولوجيا كل أوجه الحياة التقليدية. جميع القطاعات، من دون استثناء، باتت عرضة لتغييرات جذرية يقودها التطور التكنولوجي نحو مستقبل رقمي "ذكي". يُعتبر قطاع الرعاية الصحية من أسرع القطاعات قابلية للتغير، فالذكاء الاصطناعي والروبوتات والواقع الافتراضي وتقنيات أخرى كثيرة ستلعب في المستقبل القريب دوراً مهماً في تغيير وجه الرعاية الصحية.
في كتابه "أبرز 10 اتجاهات تشكّل مستقبل الرعاية الصحية" (Top 10 Trends Shaping The Future of Healthcare) يحلّل الدكتور بيرتالان ميسكو الحائز دكتوراه في الطب المستقبلي، أهم التقنيات التكنولوجية التي ستغيّر قطاع الرعاية الصحية.
يقدّم الدكتور عرضاً مبسطاً لأبرز هذه التقنيات، بدءاً من: الذكاء الاصطناعي، الواقع الافتراضي والواقع المعزز، الأجهزة القابلة للارتداء، "تريكوردر" طبي، تسلسل الجينوم، تطوّر الأدوية، تكنولوجيا النانو، والروبوتات وصولاً إلى الطباعة الثلاثية الأبعاد.

يقول ميسكو إن خوارزميات الذكاء الاصطناعي قادرة على استثمار السجلات الطبية وتحضير برامج علاج وأدوية بطريقة أسرع من أي عنصر في الرعاية الصحية. يعطي الطبيب مثالاً شركة "Atomwise"، وهي منصة تعنى بتطوير أدوية من خلال الذكاء الاصطناعي، التي تقوم "باستخدام حواسيب فائقة التطور تستخرج العلاجات من قاعدة بيانات، وقد أطلقت الشركة الناشئة العام الماضي بحثاً افتراضياً عن أدوية آمنة وموجودة يمكن إعادة تصميمها لمعالجة فيروس الإيبولا، ووجدت نوعين من الأدوية تنبأت بهما خوارزميات الذكاء الاصطناعي يمكنهما تخفيف عدوى "إيبولا".
أمّا الواقع الافتراضي والواقع المعزز فسيشكلان دفعة قوية في مستقبل الرعاية الصحية. يرى ميسكو أنه سيصبح باستطاعة الأطباء القيام بعمليات من خلال الواقع الافتراضي عن بعد، ولكن لن يقتصر الأمر على هذا، فقد طورت مختبرات Embodied تقنية واقع افتراضي تمكن الأطباء الشباب من اختبار شعور المرضى المسنين ذوي الإعاقات البصرية والسمعية من أجل تحسين طريقة التعامل مع المرضى. ومن ناحية الواقع المعزز، ستساعد هذه التقنية طلاب الطب في معايشة العمليات بطريقة فعالة، كما ستساعد الأطباء في تحسين مهاراتهم.
من ناحية أخرى، تستخدم الأجهزة القابلة للارتداء اليوم باعتبارها أموراً "عصرية" للمراهقين، إلا أنها ستشكّل بالنسبة إلى العاملين في مجال الرعاية الصحية كنزاً ثميناً من البيانات. فهذه الأجهزة، وتحديداً الخاصة بتعقب الرعاية الصحية، ستمكّن الأطباء والمرضى على حد سواء من: متابعة وتنظيم أوزانهم، مستوى التوتر، ساعات النوم ومستوى اللياقة…
يعد الـ"تريكوردر" حلم الأطباء وفق ميسكو، وهو جهاز مسح ضوئي محمول يستخدم للتشخيص الذاتي للحالات الطبية في غضون ثوان واتخاذ القياسات الحيوية الأساسية. اليوم، لا يزال هذا الجهاز بعيد المنال برغم ظهور بعض الأجهزة المشابهة، ألا أنه مع اختراعه "سنتمكن من رؤية ميكروبات مجهرية عبر الهاتف الذكي وتحليل بعض العينات من خلال الصور، كما يمكن لأجهزة الاستشعار التقاط تشوهات في الحمض النووي أو الكشف عن الأجسام المضادة وبروتينات محددة".
ينتقل ميسكو إلى إمكانية رسم الخريطة الجينية للشخص في المستقبل بتكلفة أقل من فحص الدم، ما يعطينا معلومات عديدة عن الحساسية تجاه الأدوية، والظروف الصحية وتاريخ العائلة. كذلك ستؤدي التكنولوجيا إلى تطوير الأدوية من خلال محاكاة حاسوبية تستخدم في تطوير وضبط وحتى اختبار المستحضرات الطبية والتدخلات على نماذج مرضى افتراضيين. أمّا تكنولوجيا النانو فستعمل كنظم دقيقة لإيصال الأدوية وكأدوات لعلاج السرطان والقيام بجراحات صغيرة. فالعلماء يختبرون روبوتات صغيرة جداً يمكنها أن تسبح في الدم وتوصل اللقاح إلى النقطة المحددة.
أخيراً، يحدد ميسكو اتجاهين سيكون لهما تأثير كبير على الرعاية الصحية، هما: الروبوتات والطباعة الثلاثية الأبعاد. فالروبوتات ستكون عديدة بدءاً من الروبوت الجراح، الروبوتات المبيدة للجراثيم وغيرها. "بمساعدة هذه الأجهزة، سيتمكن الأشخاص المصابون بالشلل من الحركة مجدداً"، وفق ميسكو. أمّا الطباعة الثلاثية الأبعاد، فيمكن استخدامها في صناعة الأنسجة مع الأوعية الدموية والعظام والجلد الاصطناعي.