لا مؤتمرات كبرى في المناطق الريفية، لا مسرعات أعمال ولا حاضنات، ولا ممولون يلتفتون خارج العاصمة، لكن هناك، على بعد ساعات قليلة من بيروت، شباب وشابات يريدون أن يصبحوا رواد أعمال في مناطقهم... وليس في بيروت. وإذا كان الواقع السائد ينص على أن يلحق رواد الأعمال المسرعات والحاضنات والممولين إلى بيروت، فإن مبادرة رواد أعمال المناطق الريفية "Rural Entrepreneurs" قررت أن تعكس المعادلة وتستقطب الحاضنات والمسرعات والممولين إلى المناطق الريفية.
عام 2015 أطلق هيثم صعب، وهو الرئيس التنفيذي لشركة TechGenies في الشرق الأوسط، مبادرة تهدف إلى تسليط الضوء على ريادة الأعمال في الشوف، المنطقة التي ينحدر منها، فأسس جمعية Shouf Entrepreneurs التي تهدف إلى الإضاءة على ريادة الأعمال في المناطق الريفية في الشوف، وفي الوقت نفسه تعريف الناس في هذه المناطق الى ريادة الأعمال وكيفية التفكير خارج الإطار التقليدي للأعمال المنتشرة في محيطهم. الشهر الفائت، تطورت المبادرة خارجةً من نطاق الشوف إلى المناطق الريفية بأكملها ليتحوّل اسمها إلى "Rural Entrepreneurs" لتعكس توجهها الجديد نحو التوسع إلى المناطق الريفية الجديدة بالأهداف نفسها.
بعد سنتين على انطلاقتها في الشوف، وقبل أن تخطو الجمعية نحو توسيع نطاقها، ما الذي خلصت إليه من تجربتها في الشوف؟
تعد مشاكل رواد الأعمال في الشوف نموذجاً يمكن تعميمه على جميع المناطق البعيدة عن العاصمة التي تتشارك المشاكل والعقبات نفسها، وأبرزها أن بيروت تستأثر بكامل عناصر المنظومة البيئية التي تؤلف اقتصاد المعرفة من حاضنات ومسرعات الأعمال، صناديق استثمارية ومراكز عمل. أمّا المشكلة الأساسية الثانية التي تعانيها المناطق الريفية فتتمثل في توجّه رؤوس الأموال المحلية، إذا ما وجدت، إلى الأعمال التقليدية بسبب ضعف الرؤية والاطلاع على المستقبل التكنولوجي الذي يُرسم، ما أدى إلى غياب تام للاستثمارات في التكنولوجيا والتطبيقات الهاتفية التي تعد الشكل الأكثر شيوعاً في لبنان. كذلك يشكّل الضغط الممارس من قبل الأهل على الشباب للتوجه نحو الوظائف الكلاسيكية عائقاً إضافياً أمام خلق بيئة حاضنة لريادة الأعمال في هذه المناطق. إضافة إلى ذلك، تعاني منطقة الشوف من غياب الخبرات التقنية التي تمكّن رواد الأعمال من تحويل أفكارهم إلى واقع.

تسيطر التجارة الإلكترونية على واقع التطبيقات والأفكار المطروحة


انطلاقاً من هذا الواقع، أرادت الجمعية أن تكون مرحلة أولية وجسر عبور الى الفعاليات الكبرى التي تعقد في بيروت ومنصة صغيرة لمبادرات بحجم المنطقة. ركزت الجمعية على 4 برامج لتحقيق أهدافها هي: بناء القدرات، تعزيز ريادة الأعمال الريفية، دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة وتفعيل دور المرأة في ريادة الأعمال. البرنامج الأخير ينبثق من واقع المنطقة حيث تواجه بعض النساء عوائق في الانتقال إلى أماكن أخرى، لذلك تسعى الجمعية إلى مساعدتهن على الحصول على فرص في مناطقهن لخلق مشاريع مبتكرة.
تسعى الجمعية إلى تنظيم ورش عمل متنوعة وتقديم دراسات عن السوق، كذلك توفر منصة لعرض الأفكار على المستثمرين. خطوة الجمعية المقبلة هي الانطلاق في الدورة الثانية من مؤتمر Rural Entrepreneurs بعد نجاح المؤتمر الأول، آملةً أن تضم الدورة الثانية عدداً أكبر من المستثمرين والمهتمين. كذلك تنظم الجمعية مؤتمر iCAMP الذي نظمت فيه مسابقة IDEATHON. من خلال المؤتمرات وورش العمل والندوات المجانية التي تقام في كل ضيعة من الشوف، تمكنت الجمعية من استقطاب أكثر من 100 عضو، حتى باتت تنتشر اليوم في أكثر من 20 قرية في الشوف، وما خطوتها الأخيرة سوى سعي إلى توسيع المشاركة.
رواد الأعمال في الشوف هم بأغلبيتهم من الشباب المبادرين في المجالات البعيدة عن التكنولوجيا، وذلك يعود إلى سبب أساسي متمثل في ضعف ثقافة ريادة الأعمال الرقمية في المنطقة، إلّا أن هناك بعض المبادرات والأفكار التكنولوجية التي تحاول أن تشق طريقها في المنطقة، وبعضها الآخر تحوّل إلى واقع.
لكن كما في بيروت، ومنطقة الشرق الأوسط، كذلك في الشوف تسيطر التجارة الإلكترونية على واقع التطبيقات والأفكار المطروحة، وهو أمر غير مفاجئ نظراً إلى استحواذ التجارة الإلكترونية على 14% من الاستثمارات في الشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط عام 2016، وكون 9% من الشركات الناشئة التي تم تأسيسها في منطقة الشرق الأوسط عام 2016 تعمل في مجال التجارة الإلكترونية وفق تقرير مختبر "ومضة".
تطبيق PromoShops على سبيل المثال، نقل سوق الشوف إلى الهاتف، ما سهّل التواصل بين أصحاب المحال والمؤسسات التجارية والزبائن. يسمح التطبيق للمحال بالتواصل والتسويق لخدماتها، بضاعتها أو العروضات التي تقدمها للمستهلكين في المنطقة بكلفة بسيطة، كما يسمح للمستهلكين بالتسوّق بشكل أسهل من خلال رصد ومتابعة المحال.
تطبيق آخر أبصر النور هو تطبيق يسمح للمؤسسات (بلديات، مدارس وشركات ...) بإرسال رسائل نصية مجانية من شبكاتها إلى المستهدفين بدلاً من الرسائل النصية المدفوعة من خلال خلق حساب بكلفة بسيطة على هذا التطبيق والطلب من المشتركين تنزيل البرنامج، بحيث سيتمكنون من استقبال الرسائل من خلال الـ push notification، ما يسهّل التواصل بين الأهل والمدارس على سبيل المثال، كما يسهّل عملية إعلام الأهالي بقرارات البلديات وآخر المستجدات.

* للمشاركة في صفحة تكنولوجيا التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]