عام 1942 ظهرت للمرة الأولى ثلاثة قوانين "غريبة" في رواية "التملص" (Runaround) لكاتب روايات الخيال العلمي إسحاق أسيموف:1- لا يجوز لآلي إيذاء بشريّ أو السكوت عما قد يسبب أذى له.
2- يجب على الآلي إطاعة أوامر البشر إلا إن تعارضت مع القانون الأول.
3- يجب على الآلي المحافظة على بقائه طالما لا يتعارض ذلك مع القانونين الأول والثاني.

لاحقاً، تحوّلت هذه القوانين إلى مبادئ أساسية في صناعة الروبوتات فباتت تُعرف بقوانين أسيموف أو قوانين الروبوت الثلاثة. فقد أخذ صناع الروبوتات قوانين الرواية على محمل الجد في تصورهم للروبوت المثالي.
كثيرة هي الشركات والجامعات التي حاولت دخول عالم الروبوت بشكل كليّ لبناء روبوت متكامل، أو بشكل جزئي كاقتصار عملها على خاصية واحدة والتميّز بها مثل محاكاة حركة الأصابع، لكن تبقى شركتا "بوسطن دينامكس" و"هوندا" صاحبتي الأثر الأكبر في هذه الصناعة. نتحدث هنا عن أداء معزّز وحركة روبوت مشابهة لحركة الإنسان ولأشكال الحياة الأخرى، بالإضافة إلى خاصية التوازن على مختلف الأسطح خلال التنقل.

بدأ بعض الناس بالتفاعل مع الروبوتات وإضافة مشاعر
إنسانية إليها


عام 1992 انطلقت شركة "بوسطن دينامكس" عبر مجموعة طلاب من معهد "ماساتشوستس للتكنولوجيا" في الولايات المتحدة الأميركية، وسرعان ما تحولت إلى إحدى أهم الشركات العاملة في مجال الروبوتات، برمجيات الذكاء الاصطناعي والروبوتات ذات الاستعمال العسكري. فللشركة عقود موقعة مع الجيش الأميركي والبنتاغون تقدر بملايين الدولارات. أواخر عام 2013 استحوذت شركة "غوغل" على بوسطن دينامكس في صفقة لم تُكشف قيمتها لتعود وتبيع الشركة الى مجموعة Softbank اليابانية عام 2017 بصفقة غير معروفة القيمة أيضاً. اختراعات الشركة الرئيسية تتمثل في الروبوتات "بيتمان"، "هاندل"، "بيغ دوغ"، "راكس"، "أطلس" وكذلك نظام المحاكات البشرية "داي غاي".
أحدث روبوت أعلنت عنه الشركة هو "هاندل". يتميز هذا الروبوت بكونه هجيناً، إذ يمكنه السير على قائمتيه رغم أن هذا الفعل لم يظهر في الفيديو المعلن من قبل الشركة. بالإضافة الى ذلك يمكنه التنقل على دولابين بسرعة تصل الى 9 أميال في الساعة. كثيرة هي التحديات والصعاب التي تخطتها الشركة في هذا الروبوت ما أدى إلى إنتاج تكنولوجيا جديدة لا نراها في أي روبوت آخر. يستطيع "هاندل" مثلاً التحكم بتوازنه كي لا يقع أرضاً إن كان بسبب وعورة الأرض التي يسير عليها، أو إذا ما حاولت دفعه على الأرض، فيوازن نفسه بطريقة تحاكي طريقة توازن الإنسان. بالإضافة إلى هذه الأمور يستطيع "هاندل" أن يقفز عن الأشياء التي تقف عائقاً أمامه، يرفع حمولة تصل إلى 50 كيلوغراماً ويعيد وضعها في مكان آخر، يفتح الأبواب ويصعد التلال وينزل السلالم حتى أنه يجلس القرفصاء. تكمن فعالية "هاندل" كونه الأقل تعقيداً من "أخوته" السابقين إذ يتمتع بمرونة كبيرة وخيارات كثيرة تتيح له أن يملأ أدواراً جديدة وهو ما كان يتم الحديث عنه في السابق نظرياً فقط.



من الأمور الملفتة التي بدأت ترعب بعض القائمين على هذه الصناعة هي تفاعل الناس مع الروبوتات وإضافة مشاعر إنسانية عليها، إذ في إحدى لقطات الفيديو الذي يظهر فيه روبوت آخر للشركة ويدعى "أطلس" قام أحد مشغليه بدفعه مرات عديدة وبقسوة لا تمكنه من موازنة نفسه، فوقع "أطلس" واصطدم رأسه بالأرض. هذا المشهد، الذي هو من ضمن الاختبارات الأساسية التي يجب فحصها في الروبوت، جعل بعض الناس تستنكر هذا الفعل القبيح وتهاجم المشغل وتطلب أن يعامل الروبوت باحترام أكثر في المرات القادمة. حتى أن هناك من ذهب بعيداً في الأمر، إذ يوجد اليوم موقع إلكتروني هو
www.stoprobotabuse.com يحتوي على الكثير من الفيديوهات وأغلبها من شركة "بوسطن دينامكس" تظهر فيها التعامل القاسي الذي تتعرض له الروبوتات في مختبرات الشركة وتطلب الكف عن هذا الفعل.



تجدر الإشارة إلى أن بعض العقود الموقعة بين الجيش الأميركي و"بوسطن دينامكس" تقضي بحصول الجيش على روبوتات تأتي على هيئة ثيران وكلاب لتتنقل مع جنود الجيش فتستطلع الساحات وتحمل العتاد الثقيل لتخفيف العبء عنهم خلال المسير أو المعارك.



في الجهة المقابلة يوجد شركة "هوندا" اليابانية وروبوتها "أسيمو". في البداية لا بد من الإشارة إلى ما يردده الخبراء في مجال الروبوت عن الصناعات اليابانية في هذا المجال، وهو أن هذه القفزة في التكنولوجيا اليابانية كانت بسبب كارثة مفاعل فوكوشيما النووي، إذ أن عجز المعدات الحالية عن حماية البشر من التعرض للإشعاعات النووية خلال دخولهم المفاعل وضعت الروبوتات في الواجهة ما ولد فورة داخل هذه الصناعة.
يتميز الجيل الجديد من "أسيمو" بذكاء اصطناعي معزز يتيح للروبوت تغيير أفعاله لتناسب ما قد يطرأ عليه من أمور خلال قيامه بفعل ما. بطول 130 سنتيمتراً يتفاعل "أسيمو" مع البشر بطريقة ودودة جداً من خلال حركات جسمه ويديه خلال محادثته لهم، كما لديه القدرة على التواصل باللغة المحكية وبلغة الإشارات لمن فقد حاسة السمع. منذ بداية صناعته عام 2000 كان الهدف من "أسيمو" مساعدة الناس في أمورهم اليومية، وخصوصاً كبار السن، والمساعدة في حالات الكوارث الطبيعية وهو ما حدث فعلاً خلال حادثة المفاعل عبر استعمال بعض التكنولوجيا المستخدمة في هذا الروبوت. بالإضافة الى ما سبق يستطيع "أسيمو" فتح الزجاجات وسكب ما بداخلها في الأكواب ومن ثم تقديمها لمن يجب، كما يستطيع الرقص والقفز على قائمة واحدة ولعب كرة القدم وإن بطريقة بسيطة إلا أنها تعد تقدماً كبيراً في هذا القطاع.



التركيز اليوم منصب حول تحسين عملية فهم "أسيمو" للغة كي يتواصل بشكل أفضل مع البشر وهي مهمة مبرمجي الذكاء الاصطناعي الذي بدونه يكون الروبوت، أي روبوت، مجرد كتلة من الصفائح. بالإضافة إلى ما سبق تعد كلفة شراء روبوت باهظة جداً، إذ تقدر بحوالى المليونين ونصف مليون دولار، أما كلفة استئجاره فتبلغ 150 ألف دولار لشهر واحد، وهو ما يعد نقطة سلبية للروبوت إذ تحرمه من التواصل مع الناس ما كان بإمكانه أن يسرع عملية تطويره وتحديث المشاكل التي قد تطرأ عند وضعه بينهم.
يقول الخبراء في هذا المجال إننا أصبحنا في عالم جديد سنجد فيه قريباً الروبوتات تمشي وتتفاعل معنا وتتعلم منا، الأمر الذي سيولد جيلاً جديداً أكثر ذكاء وفعالية وربما يستبدلنا في نهاية المطاف. فمن سيسبق إلى "خلق" الروبوت المثالي ومتى؟

* للمشاركة في صفحة تكنولوجيا التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]