عندما تزاوجت القرصنة مع النشاط الاجتماعي والسياسي، بات لدينا ما يسمى "هاكتيفيزم" hacktivism. و"الهاكتيفيزم" ببساطة هو استخدام التكنولوجيا لتحقيق هدف سياسي أو اجتماعي، أو بمعنى آخر هو النشاط الإلكتروني الساعي نحو التغيير الاجتماعي عبر الجمع بين قدرات البرمجة والفكر النقدي. يعتبر "الهاكتيفيزم" شعبة من شعب النشاط على الإنترنت، وتحديداً استخدام تكنولوجيا الاتصالات لأهداف عدة، تحت منطلق الاصلاح الاجتماعي أو تحقيق المطالب وتأسيس مجموعات ضغط تجاه كيان معين، وهو شكل بناء لعصيان مدني لاسلطوي.
إلا أنه شكل مختلف من النشاط على الانترنت له فلسفته وأهدافه الخاصة، ومبني على ثقافات وأخلاقيات مجتمعات المخترقين الذين يستخدمون تكنولوجيا المعلومات كأدوات للضغط على منظمات فاسدة أو حكومات. إذاً تعتبر حركة "الهاكتيفيزم" شكلاً من أشكال التعبير عن الرأي السياسي، وغالباً ما تشجع على حرية التعبير، والدفاع عن حقوق الانسان وحرية تبادل وحماية المعلومات الإلكترونية بشفافية.
أكثر شكلين منتشرين لهذا النشاط هما تقنيات التشويه لمواقع الانترنت، أو ما يعرف في عالم المخترقين بالـ"defacing"، وهجمات الحرمان من الخدمات "DoS". تعتمد العملية الاولى على اكتشاف الثغرات الأمنية في الخوادم حيث يوجد الموقع المستهدف، فيعمد المخترق الى تغيير ملامح الصفحة من خلال أدوات البرمجة المتاحة لترك إشارة. يمكننا مقارنتها بفن الـ"غرافيتي"، ولكن بنسخة إلكترونية كشكل من أشكال "الاعتصام الإلكتروني". وقد تعرضت بعض المواقع الالكترونية التابعة للدولة اللبنانية لمثل هذا النوع من الهجمات، أحدثها اختراق موقع مجلس الجنوب، وموقع المجلس الاقتصادي والاجتماعي اللبناني، وموقع وزارة الاتصالات اللبنانية بعد قطع الاتصالات يومها عن عدد من المناطق اللبنانية. هذا الشكل من الاعتراض الإلكتروني غالباً ما لا يؤدي إلى إلحاق أذى جسيم.

الهاكتيفيزم هو النشاط الإلكتروني الساعي نحو التغيير الاجتماعي عبر الجمع بين قدرات البرمجة والفكر النقدي


أما هجمات الحرمان من الخدمات "DoS"، فهي، وفق شركة "بالو ألتو" المتخصصة في الأمن السيبراني، هجوم يهدف إلى إيقاف تشغيل آلة أو شبكة، ما يجعلها غير قابلة للوصول إلى المستخدمين المقصودين. تتحقق هذه الهجمات عن طريق إغراق المستهدف بكمية هائلة من البيانات والطلبات العشوائية، أو إرسال معلومات تؤدي الى تعطل النظام. يتحكم القراصنة والعابثون الإلكترونيون عن بعد في إرسال تلك البيانات إلى المواقع بشكل كثيف، ما يسبب بطء الخدمات أو زحاماً مرورياً في هذه المواقع، ويمنع وصول المستخدمين إليها نظراً إلى هذا الاكتظاظ، وعلى هذا الأساس فإن هذا النوع من الهجمات يُدعى في بعض الأوساط "إيدز الإنترنت".
في كلتا الحالتين، يحرم هجوم الحرمان من الخدمة المستخدمين الشرعيين (أي الموظفين أو الأعضاء أو أصحاب الحسابات) من الوصول الى الخدمة أو المورد الذي يتوقعونه. وغالباً ما يستهدف خوادم الويب لمنظمات رفيعة المستوى مثل البنوك والشركات التجارية والإعلامية أو المنظمات الحكومية والتجارية. على الرغم من أن هجمات DoS لا تؤدي عادة إلى سرقة أو فقدان معلومات مهمة أو أصول أخرى، فإنها يمكن أن تكلف الضحية قدراً كبيراً من الوقت والمال للتعامل معها، خصوصاً إن كان طابع عمل الخوادم المستهدفة تجارياً ــ مالياً.
يستخدم الناشط المخترق أو hacktivist الأدوات نفسها التي يستخدمها المخترق، ولكن بدل ابتزاز الأفراد أو تقديم خدمات حماية لشركات ومنظمات، فهو يستخدمها من أجل جذب الانتباه لقضية سياسية أو اجتماعية بهدف خدمتها. أبرز مجتمعات الهاكتيفيزم المعروفة منظمة "أنونيموس" و"ويكيليكس"، والأخيرة هي منظمة دولية غير ربحية تنشر تقارير وسائل الإعلام الخاصة والسرية من مصادر صحافية وتسريبات إخبارية مجهولة.
عام 2010 نجحت منظمة "ويكيليكس" في تسريب تقارير ومستندات أميركية سرية ذات حساسية سياسية، ومنذ ذلك الوقت عمدت الحكومة الأميركية إلى التضييق على الجمعيات المرتبطة بـ "ويكيليكس" للحدّ من تدفّق المعلومات الحساسة لحماية أمنها القومي، بحسب تقرير شركة F5 الأميركية لتكنولوجيا الاتصالات "Hacktivism Focus Group Report" الصادر عام 2011. أدى هذا الفعل إلى تحرك مجموعات تطالب بشفافية الحكومة حول أعمالها، ونتج منه قيام مجموعة "أنونيموس" بتنسيق هجمات موزعة للحرمان من الخدمات (DoS) على مواقع منظمات معارضة لويكيليكس، مثل موقع PayPal لتحويل المال عبر الإنترنت الذي منع تقديم التبرعات لويكيليكس بعد ضغوطات حكومية. تمكنت ويكيليكس عبر الوثائق التي نشرتها من تحريك الرأي العام الأميركي وفي العالم، وحصلت على تغطية إعلامية واسعة، وأعلن كثيرون تضامنهم مع ويكيليكس وثقتهم بصحة الوثائق التي تم نشرها، رغم محاولات الحكومات تكذيبها، ما أثبت قدرة "الهاكتيفيزم" على التأثير في الرأي العام.

*مطوّر تكنولوجيا المعلومات وأنظمة المعلومات لإدارة المخاطر وطالب دكتوراه في Mines ParisTech، مركز بحوث المخاطر والأزمات




* للمشاركة في صفحة تكنولوجيا التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]