منذ شيوع مصطلح «الأخبار الكاذبة» أو «المضلِّلة» في عام 2016، شرعت شركة «فايسبوك» في محاربة الظاهرة التي طاولتها مع حلول الانتخابات الرئاسية الأميركية، ولاحقاً على إثر فضيحة «كامبريدج أناليتكا»، بمختلف الوسائل، بما في ذلك الدخول في شراكة مع شركات إعلامية ومتخصّصين في نشر الأخبار. بيدَ أن العديد من هؤلاء، الذين كانت مهمتهم تقتصر على تدقيق محتوى الأخبار التي تظهر في صفحات الموقع والتأكّد من صحة هذا المحتوى، قالوا إنهم فقدوا ثقتهم بـ«فايسبوك». حتى إنّ البعض من الصحافيين الذين وظّفتهم الشركة لهذه الغاية، أقروا لصحيفة «ذي غارديان» البريطانية بأنهم يرغبون في إنهاء شراكتهم معها، لأن «فايسبوك» «تجاهلت مخاوفهم وفشلت في استخدام خبراتهم في مكافحة التضليل الإعلامي».«ذي غارديان» استندت في تقريرها إلى شهادات مدقّقين حاليين وسابقين، أكّدوا للصحيفة أنّ تعاون منصة التكنولوجيا مع المراسلين الخارجيين «لم يُؤدِّ إلى نتائج فعّالة»، وأنهم فقدوا الثقة تماماً في «فايسبوك»، التي رفضت مراراً وتكراراً إصدار بيانات مفيدة تبيّن تأثيرات عملهم. وقال البعض إن تعاقد «فايسبوك» مع شركة علاقات عامة تستخدم «رواية معادية للسامية لتشويه سمعة النقاد» - وهو إجراء يغذي نفس النوع من الدعاية التي يفضحها عادةً المدققون – يمثل نهايةً للصفقة معها.
بروك بينكوسكي، وهي مديرة التحرير السابقة لموقع «سنوبس» (Snopes)، الذي عقد شراكة لمدة عامين مع «فايسبوك» في إطار التدقيق بمحتوى الأخبار، قالت للصحيفة: «لقد استخدمونا أساساً للعلاقات العامة وإدارة الأزمة». وتابعت بينكوسكي: «إنهم لا يأخذون أي شيء على محمل الجد. إنهم مهتمون أكثر بأن يجعلوا أنفسهم يبدون جيدين ويعبرون الأزمة... من الواضح أنهم لا يهتمون».

شراكات بلا نتائج؟
من المعلوم أن اعتماد «فايسبوك» على الصحافيين كان الهدف منه الإبلاغ عن الأخبار الكاذبة والحد من انتشارها، لكن الأبحاث والأدلة المروية قد بيّنت، مراراً وتكراراً، أنّ عمل «فضح التضليل» كافح لإحداث أي فروقات أو تحقيق نتائج ملموسة.
لدى «فايسبوك» الآن أكثر من 40 شريكاً إعلامياً في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك «أسوشيتد برس» و«بوليتي فاكت» (PolitiFact) و«ويكلي ستاندرد» (Weekly Standard). وهي تدّعي أن الأخبار الكاذبة على منصتها «تتجه نحو الانخفاض». وفيما قال بعض قادة غرف الأخبار إن العلاقة إيجابية، أقرّ شركاء آخرون بأنّ النتائج كانت غير واضحة، وأنهم أصبحوا مستائين بنحو متزايد من «فايسبوك»، ولا سيّما بعد الكشف عن أن الشركة قد دفعت المال لشركة استشارية لملاحقة منتقدي المنصة، من خلال الترويج لارتباطهم برجل الأعمال اليهودي، جورج سوروس. وهو أمر اعترفت به «فايسبوك»، بعدما تبيّن أن مسؤولاً تنفيذياً رفيع المستوى في الشركة وظّف بالفعل شركة علاقات عامة لمهاجمة مقربين من سوروس، الذي وصف «فايسبوك» و«غوغل» بأنهما «تهددان المجتمع»، وذلك في خطاب ألقاه في «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس، مطلع عام 2018.
«لماذا علينا أن نثق بفايسبوك عندما تدفع الشركة بالشائعات نفسها التي تُصنّف، وفق مدققيها أنفسهم، بأنها أخبار كاذبة؟»، تتساءل إحدى مدققات الحسابات الحاليين، التي أبقت «ذي غارديان» هويتها مجهولة، لتستدرك الصحافية، التي دعت في النهاية إلى وضع حد لشراكات «فايسبوك»، أنّ «العمل مع فايسبوك يجعلنا نبدو سيئين».