ما إن بدأ العالم الغربي بالتقاط أنفاسه بعد إعلان الصين عن إطلاق خدمة الجيل الخامس للاتصالات اللاسلكية منذ أسبوع، وببنية تحتية متفوقة يبلغ عددها 130 ألف محطة إرسال، ها هو اليوم يحبس أنفاسه من جديد: الصين ستمتلك تكنولوجيا الجيل السادس للاتصالات اللاسلكية بحلول عام 2030.
ما هي الـ6G، وما الفرق بينها وبين الـ5G
يمكن القول إن دخول تكنولوجيا الـ5G في عالمنا اليوم مهّد الطريق أمام البشرية لتحقيق كل ما كان يعدّ سابقاً من عالم الخيال. وفيما لا يزال مصطلح الـ5G غامضاً لكثُر تأتي الـ6G لتزيد المسألة غموضاً. في جوهرها، تعني تكنولوجيا الجيل الخامس للاتصالات اللاسلكية شيئين رئيسين:
- معدّل استجابة في وقت قياسي
لا يكفي أن تمتلك تكنولوجيا اتصالات سريعة في عالم اليوم. الحاجة الآن إلى وقت «استجابة» يكون متوافقاً مع الواقع. مثلاً: زمن وصول المعلومة في تكنولوجيا ال4G هو 50 جزءاً من الألف في الثانية، بينما في الـ5G يبلغ جزءاً واحداً من الألف في الثانية. هذا الأمر أساسي، إذ على سبيل المثال لا الحصر، السيارات الذاتية القيادة بحاجة إلى أن تحدد مكانها ومكان السيارات التي بجانبها على الطريق في الوقت نفسه، فيما التأخر لمدة 50 جزءاً من الثانية سيؤدي إلى حوادث سير مرعبة. لذا، نجد أن تقنية القيادة الذاتية متاحة ولكن لا يمكن استعمالها بشكل كلّي قبل تشغيل منظومة الـ5G.

- سرعة هائلة في نقل البيانات
يمكن للـ5G أن تنقل البيانات بسرعة تتراوح من 10 إلى 50 «غيغا بت» في الثانية، أي يمكن للمستخدم مثلاً، أن يحمّل فيلماً سينمائياً وبدقة وضوح عالية جداً في خلال 4 ثوانٍ تقريباً.
لا توجد نقلة نوعية في الـ6G مثلما حصل بين الـ4G والـ5G. يمكن القول هنا إن تكنولوجيا الجيل السادس للاتصالات ستكون بمثابة نسخة متطورة جداً عن الـ5G حصراً. التحديثات ستكون على الشكل التالي:
- سرعة الاستجابة أو زمن وصول المعلومة، سينخفض من جزء واحد من الألف في الثانية إلى جزء واحد من جزء واحد في الألف من الثانية. بمعنى آخر، سيكون الأمر مثل الواقع.

- سرعة نقل البيانات ستصبح 1 «تيرا بت» في الثانية! أي يمكن للمستخدم مثلاً اختيار 100 فيلم وبجودة عالية جداً ليتم تحميلها دفعة واحدة، إذاً لن ينتظر بمجرد نقرِه على زر التحميل.

لِمَ الحاجة إلى 6G؟
المشكلة هنا، أن حجم البيانات العالمي على الإنترنت يتصاعد بشكل كبير، ومصطلح «إنترنت الأشياء» رغم حداثته، قريباً سيستبدل بـ«إنترنت كل الأشياء». حالياً نجد الكثير من الأدوات قد أصبحت متصلة بالإنترنت، ولكن عما قريب كل شيء من حولنا سيكون متصلاً بالإنترنت. لا نتحدث هنا عن منزل ذكي أو حتى مدينة ذكية، بل عن دولة ذكية بكل طرقاتها وأبنيتها ومزروعاتها وصناعاتها، كل شيء! لذا، وبالرغم من النقلة النوعية التي ستحدثها الـ5G فإن قدرتها الاستيعابية لن تتحمل التطور المقبل سريعاً. وبالتالي كان لا بد من نسخة جديدة معدّلة تسمح للتطور التقني بأن يأخذ مداه... بعد عشر سنوات من الآن.

مصطلح «إنترنت الأشياء» سيُستبدل بـ«إنترنت كل الأشياء»


بالإضافة إلى ما سبق، سنتكلم عن ميزتين ستقدمهما الـ6G:
استشعار الخطر، وهي خدمة ستعمل بالشراكة مع الذكاء الاصطناعي. تقوم خدمة الـ6G بنقل البيانات لنفترض مثلاً عن حال إحدى الطرق إلى الذكاء الاصطناعي، وبزمن استجابة في الواقع نفسه. سيعالج الأخير هذه المسألة ليقرر إن كان هناك من خطر على حياة السائقين، ليقوم بدوره بإرسال تنبيهات إلى عمال الصيانة لمعالجتها. وناهيك عن الاستخدامات في مجال الأمن الداخلي للدول.
أخذ القرارات بالنسبة إلى الآلة سيكون أسرع بكثير، لدرجة سيشعر البشر أنها قادرة على التنبؤ بالأمور بينما في الواقع لقد وصلتها المعلومات كافة، وحلّلتها واستخلصت النتيجة قبل أن نبدأ برؤيتها!

في الوقت الراهن، وبالإضافة إلى الصين، تعمل ثلاث دول لإطلاق هذه التكنولوجيا.

فنلندا من خلال جامعة أولو، والتي تعِد بتقديم رؤية خلال عام 2037.

معهد بحوث الاتصالات والإلكترونيات في كوريا الجنوبية.

الولايات المتحدة الأميركية ما زالت في مرحلة التخطيط للبدء بذلك على الرغم من التغريدة الشهيرة للرئيس دونالد ترامب في الواحد والعشرين من شهر شباط الماضي حين قال: «أريد تكنولوجيا الـ5G، لا بل الـ6G في الولايات المتحدة الأميركية في أسرع وقت ممكن. إنها لا تضاهى بالقوة، السرعة وهي أذكى من التقنيات الحالية». ويضيف «على الشركات الأميركية بذل جهود إضافية في سبيل تحقيق ذلك، وإلا سيتخلفون عن اللحاق. لا يوجد أي سبب لتتخلف الولايات المتحدة في هذا الشأن».

لقد اختلفت الأمور كثيراً عمّا كانت عليه في الستينيات. ليس المهم إن كنت أول من وطأ القمر. اليوم، عليك أن تمتلك منظومة اتصالات حديثة وذكاءً اصطناعياً، وكل ما عدا ذلك ليس سوى استعراضات هوليوودية. تعديل محطات إرسال الـ5G في المستقبل لتصبح 6G سيكون سهلاً، إذ كل ما علينا فعله هو تغيير بعض القطع إلا أن الصعوبة الحقيقية تكمن في تغطية المدن بالشبكة، وفي هذا الجانب عملت الصين على نحو ممتاز.