الكوكب الأحمر، الرابع من حيث بعده عن الشمس، بعد عطارد والزهرة والأرض، كيف يتم استكشافه؟ وهل ستهبط عليه مركباتنا المأهولة قريباً؟ وما هي الصعوبات والإنجازات في استكشاف هذا الكوكب؟ المريخ كوكب صلب يوازي قطره نصف قطر الأرض تقريباً، أي إن حجمه يقارب ثُمن حجم الأرض، وجاذبيّته تقارب ثلث جاذبية الأرض، وهو يدور حول الشمس خلال 687 يوماً، وتصل حرارة السطح المعرّض للشمس إلى حوالى 20 درجة مئوية. لكن معدّل الحرارة على سطحه هو 65 درجة مئوية تحت الصفر. وللمريخ غلاف جويّ رقيق من ثاني أكسيد الكربون يجعل من الضغط الجوي على سطحه يقارب جزءاً من مئة من الضغط الجوي الذي نعرفه على سطح الأرض. ويدور حول المريخ قمران صغيران، فوبوس وديموس، ولا يتمتّع الكوكب بحقل مغناطيسي يحميه من عواصف الجسيمات الشمسية المشحونة.

مقبرة البعثات الفضائية!
تحديات كبيرة ومتنوعة تواجه وكالات الفضاء العالمية في سعيها نحو استكشاف المريخ، وإن بمسابير غير مأهولة، خاصة إن خطّطت لعملية إعادة المسبار إلى الأرض لمحاولتها نقل بعض التربة المريخيّة. فمشروع مثل هذا يستوجب كميات ضخمة من الوقود (عشرات الأطنان) التي تستحيل معها عمليات الهبوط الآمن على السطح.
وصعوبات المشاريع المريخية تبدأ من الأوضاع المدارية، إلى المدة الزمنية الطويلة المفروضة للرحلة، إلى صعوبة تقنيات الهبوط في جاذبية منخفضة وغلاف جويّ رقيق، إلى الأخطار المحدقة من النيازك والجسيمات التي تمطر سطح الكوكب بلا حماية تُذكر من مغناطيسيته المعدومة أو غلافه الرقيق...
مشروع رحلة المسبار إلى المريخ وعودته إلى الأرض يفترض نقل حمولات كبيرة من المعدات والوقود إلى سطح المريخ، وهو أمر بحد ذاته بالغ الصعوبة. وحتى اليوم لم يسبق مطلقاً أن عاد أي من المسابير التي هبطت على المريخ، ولم تخطط أي وكالة فضائية لمثل هذه المهمة ونقل عيّنات ورواسب من سطحه.
وجدير بالذكر أن حوالى نصف الرحلات، المعدّة للهبوط فقط على المريخ (من دون عودة)، نجحت في الوصول بأمان، أمّا النصف الآخر فسكت تماماً أثناء الهبوط أو بعده مباشرة.

مركبات هبطت
في سبعينيات القرن الماضي، نجح الأميركيون والسوفيات بإيصال مسابير «فايكنغ» و«مارس» إلى المريخ. ثم أرسلت وكالة «ناسا» عام 1997 مركبتَين، «غلوبال سورفايفور» و«باثفايندر»، ونجحتا بالحصول على صور فوتوغرافية وطيفية وتحاليل أولية لتربة المريخ وبيانات عن طقسه وجوّه. ومنذ مطلع القرن الحالي، شهد عالم الفضاء نجاح العديد من عمليات الهبوط غير المأهول على المريخ. وحتى اليوم، أميركا والاتحاد السوفياتي هما الدولتان الوحيدتان اللتان تمكنتا من إنزال مركبات هبوط على الكوكب الأحمر واستكشافه ميدانياً. وقد حاولت الصين واليابان إرسال مركبات مدارية حول المريخ، وفشلتا حتى الأمس القريب، بينما نجح كل من الهند والاتحاد الأوروبي في إرسال مركبة مدارية حوله. لكن، وفيما أعلنت الإمارات وصول المسبار الإماراتي الياباني المشترك، «الأمل»، إلى مدار المريخ، أعلنت الصين أخيراً أن مسبارها المداري «تيانوين 1» الذي كان قد أطلق في تموز الماضي بات في مدار المريخ، ويستعد لإنزال روبوت إلى سطحه.
من المهمات الناجحة مسبارا «سبيريت» و«أوبورتيونيتي» اللذان أطلقتهما «ناسا» وهبطا بنجاح على المريخ في 3 ثم 24 كانون الثاني من عام 2004، واستمرّا يجولان على سطح المريخ أطول بكثير من المدة المقرّرة لهما. كما أطلقت «ناسا» عربة مختبر علوم المريخ، «كوريوزيتي»، في 26 تشرين الثاني سنة 2011 وهبطت في 6 آب 2012، ولا زالت ترسل بياناتها بنجاح حتى اليوم. بعد ذلك أطلقت المسبار «إنسايت» وهبط على المريخ في 26 تشرين الثاني 2018، وقد صمّم لدراسة الزلازل وتدفق الحرارة من أعماق المريخ. أمّا آخر مسابير المريخ فهو «مارس برسيفيرانس 2020» الذي أطلقته «ناسا» في تموز 2020 وهبط في 18 شباط 2021، وقد صُمّم كمختبر جوّال مهمّته دراسة جيولوجيا المريخ والبحث عن دلائل عن حياة محتملة ماضية.

هل باتت الرحلة المأهولة ممكنة؟
بالنظر إلى المُدد المدارية للأرض والمريخ، يتاح زمن الإطلاق كل عامين تقريباً عندما يتقارب الكوكبان إلى حوالى 60 مليون كلم (أي حوالى 150 مرة أبعد من القمر). تستغرق رحلة الذهاب إلى المريخ بالوقود الصاروخي الحالي المتعارَف عليه حوالى سبعة أشهر، وإذا كان المشروع يخطط لعودة مركبة الهبوط إلى الأرض، فعليها الانتظار لسنتين هناك ريثما يعاود المريخ اقترابه من الأرض، ويبدأ المسبار طريق العودة التي تستوجب سبعة شهور أخرى... هذا يعني أن مشروعاً كهذا يجب أن يبرمَج لثلاث سنوات وشهرين كحدّ أدنى لرحلة الذهاب والإياب!
ولنتخيّل صعوبات رحلة مأهولة إلى المريخ، فلا بدّ من حمل عشرات أطنان المواد لبناء قاعدة استيطان مدرّعة مؤقتة للرواد، مزوّدة بالغذاء والماء والهواء طوال مدة الرحلة والإقامة الطويلة على سطح المريخ. كما ينبغي حمل ما يكفي من أطنان الوقود الإضافية، ليس للتدفئة فقط، بل من أجل الانطلاق للعودة نحو مركبة مدارية يُفترض أنها تدور حول المريخ خلال عامي الانتظار، فتلتحم المركبتان وتبدأ عملية العودة إلى الأرض!
الجدير بالذكر أنه عندما تدخل المركبة الفضائية الغلاف الجوي للمريخ، تكون سرعتها عشرات آلاف الكيلومترات في الساعة، ويجب أن تفقد كل هذه السرعة قبل أن تبدأ هبوطها على السطح، مع ما يرافق هذا الهبوط شبه المستحيل من ارتفاع هائل بحرارة مسبار الهبوط إثر احتكاكه بالغلاف الجوي بهذه السرعة، وصعوبة التباطؤ في غلاف جوي قليل الكثافة، ومدى تحمّل رواد الفضاء لتباطؤٍ كبير يفوق قدرة الجنس البشري على تحمّله.

بعض المتفائلين يرى أن الهبوط المأهول ممكن بحلول عام 2030. البعض يقول بحلول عام 2050. وآخرون لا يرون ذلك ممكناً خلال القرن الحالي رغم كلّ التطور الذي شهدناه في العلم والتكنولوجيا وعلوم الفضاء!

*منسق فريق علوم الفلك المدعوم من المجلس الوطني للبحوث العلمية، ومنسق التواصل الوطني المعتمَد من قبل الاتحاد الفلكي الدولي