كشخص يكتب عن العملات الرقمية بشكل متقطّع منذ ست سنوات، اعتدت على الجيوش اللامتناهية من المتعصبين و«متصيدي الإنترنت»، التي تتهجّم علي في كل مرة أنتقد عملة «بيتكوين» الرقمية. وبالرغم من أنّ هكذا استفزازات تزعجني، فإنني أعتبرها جزءاً من عملي، وأميل إلى إهمالها.
غير أنّ إهانة تزداد شعبيةً باستمرار، استوقفتني أخيراً، لأنها تقوّض، عن غير عمد، الأهداف غير الأنانية لكتيبة الـ«بيتكوين»: «استمتعي بالبقاء فقيرة».

وقد أصبحت هذه المزحة منتشرة بشكل كبير في عالم العملات الرقمية، إلى درجة أنه تمّت كتابة أغنية على شرفها. كما أصبحت مطبوعة على بعض القمصان. وتستهدف هذه الإهانة الأشخاص الذين لا يتعاملون بالعملات الرقمية، أمثالي، في كلّ مرة يُظهرون بعض الشكوك تجاهها. وسواء كان الانتقاد مبرراً أم لا، تبقى الفكرة السائدة أنّ سعر العملة سيستمر في الارتفاع إلى الأبد، وبالتالي، فإنّ الأشخاص الذين لا يشترونها، سيغرقون في الفقر، بينما أولئك الذين استثمروا فيها، سيصبحون فاحشي الثراء.

إذا كان نظام العملات الرقمية يبدو أنه يذكر بـ«مخطط بونزي»، فلأنه كذلك فعلاً. فبالرغم من أنّ «بيتكوين» تفتقر إلى بعض الخصائص التقليدية، كوجود رئيس أو مدير مركزي أو تحويلات نقدية، فإنّ خصائص أخرى متوفرة. مثلاً، على أولئك الذين يدخلون اللعبة أولاً، أن يستقطبوا مستخدمين آخرين، ليضمنوا استمرارية العملية. ويصنّف العديد من هؤلاء أنفسهم كـ«خبراء عملات رقمية»، ويروجون أنّ هذه العملات هي الحل لمجموعة من المشاكل المالية والاقتصادية، التي غالباً ما تكون خارج دائرة اختصاصهم. على سبيل المثال، وبلا أي خجل، غرّد معدّن الـ«بيتكوين» البارز، أنتوني بومبليانو، لمتابعيه البالغ عددهم مليون: «على كلّ (سوق ثور)، أي السوق التي تحقق نمواً كبيراً، أن (تلقّن) الطبقة الجديدة من المتحمسين للعملات الرقمية، أنّ عدم الاستقرار هو عنوان اللعبة».

في الإطار، يقول مدير الشؤون المصرفية والمالية في مركز «الإدارة المسندة بالدليل»، مارتن ووكر: «تقنياً، لا يعمل نظام العملات الرقمية كمخطط (بونزي)، غير أنّ النتيجة الصافية هي نفسها». ويفسّر: «العبقرية في ألعوبة العملات الرقمية، هي أنّه ليس عليك، فعلياً، أن تحصل على أي دخل لتدفع لأي شخص، وبالتالي لا تنفذ منك الأموال، لأنك تجعل الناس يصدقون بأنّ (الأعداد ترتفع)».

وما لا يشرحه معدّنو العملات الرقمية، ويبدو أنّ البعض منهم لا يفهمونه حتى، هو أنّ هذه اللعبة هي ذات «مجموع صفري»: بمعنى آخر، ليس بإمكاننا أن نصبح جميعنا أغنياء بفضلها. إلا أنكم حين تستمعون لـ«تعليقات الخبراء»، تجدون أنم لا يعترفون بذلك، ولا بالطريقة التي ينحاز بها هذا النظام لإثراء من هم في قمة الهرم فقط. بل على العكس تماماً، تدور جميع التحاليل حول «إضفاء الديموقراطية على التمويل»، و«زيادة الحرية الاقتصادية» ، أو محاربة مصرفيي البنوك المركزية الأشرار، الذين يعتزمون تضخيم قيمة أموالنا.

وأخيراً، حين أعلنت السيلفادور أنها ستعتمد الـ«بيتكوين» كعملة رسمية، انهالت عليّ الرسائل عن كيف سيؤدي ذلك إلى زيادة الإدماج المالي، وتعزيز النمو الاقتصادي، وبالطبع، زيادة سعر الـ«بيتكوين».

ولا يبدو أنّ مرسلي الرسائل هؤلاء، يمرون على ذكر أنّ أكثر من 89% من الـ21 مليون «بيتكوين» التي قد تنوجد يوماً، تمّ خلقها أصلاً، أو «تعدينها»، وهي تقبع حالياً في محفظة أشخاص آخرين، يستعدون للإلقاء بها إلى أحد القادمين الجدد، بهدف تحقيق الربح. ولا يزعجون أنفسهم أيضاً بالتطرق إلى التفاوت الهائل في الثروة في عالم العملات الرقمية. فقد وجد تقرير أصدرته، أخيراً ، شركة «غلاسنودي» أنّ 2% من «كيانات الشبكة»، تسيطر تقريباً على ثلاثة أرباع مجموع الـ«بيتكوين».

في السياق، يؤكد المعلق المالي والاقتصادي، فرانسس كوبولا، أنّ «اللامساواة في "بيتكوين" هي أسوء إلى حد كبير من تلك الموجودة في حالة أي عملة رسمية»، ويضيف: «لأنّ الضرائب لا تطالها، تصبح إعادة توزيعها صعبة جداً».

فلماذا إذاً تمتنع التعليقات عن التطرق إلى هذه النقاط كلها؟ تكمن المشكلة في أنّ «خبراء العملات الرقمية» اكتسبوا «خبرتهم» هذه، من خلال الانغماس في اللعبة. فنادراً ما تجد أنّ أحداً منهم ليس مستثمراً في العملات الرقمية، وليس متحمساً بالتالي، من الناحية المالية، لجعل أسعارها ترتفع باستمرار.

ويعتبر بومبليانو أنّ هكذا سبب كفيل بأن يجعلك تستمع لمثل هذه الأصوات، إذ غرّد أخيراً: «عليك دائماً أن تتجاهل آراء الأشخاص غير المنخرطين في اللعبة». غير أنّه من «الخبراء» الذين يجب ألا تستمع لهم والسبب: في حال تمّ تبني «بيتكوين» على نطاق واسع، سيتطلب الأمر عدداً أكبر بكثير من الناس، ليشتروا العملات التي يملكها البعض فعلياً، ما سيجعل مُقتني العملات الرقمية القدماء أمثاله، من النخبة العالمية الجديدة فائقة الثراء.

ولحسن حظنا جميعاً، هناك العديد من المشاكل الأخرى التي تواجه «بيتكوين»، ومن ضمنها وجود آلاف المنافسين لها. وبالتالي، فإنّ هذا لن يحصل أبداً.

(جيميما كيلي* - «فاينانشال تايمز»)

https://www.ft.com/content/26283f09-c3df-4c7e-814c-65083b063d8a

*كاتبة بريطانية، متخصصة بشكل رئيسي في سوق التبادل الخارجي، والعملات الرقمية، والتكنولوجيا المالية. صحافية سابقة في «رويترز». وكتبت أيضاً في صحيفة «ذي إيكونوميست». تعمل حالياً في خدمة «ألفافيل» التابعة لـ«فاينانشال تايمز» (FT Alphaville). وهي خدمة إخبارية وتعليقية يومية، موجهة إلى خبراء السوق المالية.