بالتأكيد ليس المطلوب «أن نصل الى القمر»، لكن سرعة الانترنت في لبنان، ما زالت ضمن حقبة «ما قبل التاريخ» مقارنة ببقية دول العالم. سبب هذا التخلف غير المسبوق في سرعة الانترنت ليس واحداً، لكن هيئة اوجيرو هي وحدها القادرة على ايجاد الحل.
واذا كانت المناكفات السياسية بين وزارة الاتصالات، والإدارة التابعة لها، «أوجيرو»، هي السمة التي طغت على العهود الثلاثة الماضية في وزارة الاتصالات، فإن تحسنا غير مسبوق حصل في العلاقة بين المدير العام لـ«أوجيرو» عبد المنعم يوسف، الذي يشغل في الوقت نفسه منصب المدير العام للاستثمار والصيانة في الوزارة، ووزير الاتصالات بطرس حرب، الامر الذي يفترض ان ينعكس على واقع قطاع الاتصالات على نحو عام، وعلى قطاع الانترنت على نحو خاص، وخصوصاً العلاقات مع شركات الانترنت في لبنان وتأمين «مطلبها التاريخي» بزيادة سعات الانترنت.
نشرت مؤسسة «أكامي» العالمية للإنترنت والخدمات المعلوماتية تقريراً في وقت سابق من العام الجاري بشأن سرعات الإنترنت في دول العالم، أظهر أن لبنان حلّ في المرتبة ما قبل الأخيرة في قائمة تصنيف سرعة تحميل الإنترنت في العالم، بسرعة بلغت 0.10 ميغابايت في الثانية، فيما حازت جمهورية فانواتو، وهي جزيرة تقع في جنوب المحيط الهادئ، المرتبة الأخيرة بسرعة بلغت 0.09 ميغابايت في الثانية.
في المقابل، تقول شركة اوكالا المتخصصة بقياس سرعة الانترنت ان تصنيف لبنان في الوقت الحالي هو ١٧٥ من اصل ١٩٢ بلداً، بمعدل سرعة انترنت تصل الى ٢.٥٢ ميغابايت في الثانية، فيما يبلغ متوسط سرعة الانترنت على المستوى العالمي ١٨.٦ ميغابايت في الثانية.
ولا شك أنّ مشاريع تطوير قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على صعيدي «الحزمة العريضة» (Broadband) والجيل الثالث (3G)، والجيل الرابع 4G ، وإدخال الكابل البحري IMEWE فعلياً قيد الاستثمار والتشغيل، وتحديث وتطوير الكابل البحري CADMOS والكابل البحري ALETAR، وتمديد كابل بري بالألياف الضوئية عبر تقنية الـ DWDM يربط النقطة البحرية الانتهائية في طرابلس بالنقطتين البحريتين الانتهائيتين في مدينة الجديدة ومدينة بيروت، قد اسهمت في تحسن تصنيف لبنان على مستوى سرعة الانترنت، لكن ذلك لا يلغي ان الوضع الحالي ليس مثالياً، وان سرعة الانترنت لم تتحسن في غالبية السنترلات، لا بل ان الضغط الاضافي الناتج عن خفض الكلفة قد أسهم في خفض سرعة الانترنت.
ينص مرسوم الخفض على ان الحد الأدنى لسرعة الإنترنت 2 ميغا بايت والاستهلاك الشهري 40 جيغا بايت بكلفة تصل الى 24 ألف ليرة لبنانية، فيما كانت قبل التعديل تصل كلفتها الى 75 ألف ليرة لبنانية مع استهلاك شهري 20 جيغا بايت، بينما انخفضت كلفة HDSL بسعة 40 جيغا بايت من 225 ألف ليرة الى 125 ألف ليرة بسعة 80 جيغا بايت.
حاولت «الأخبار» استطلاع رأي عدد من شركات خدمات الانترنت في لبنان، للاطلاع على واقعها الحالي، بالتزامن مع التغير السياسي في حقيبة وزارة الاتصالات، وما اذا كان ذلك قد انسحب على علاقة هذه الشركات مع هيئة اوجيرو، لكن غالبية الذين جرى الاتصال بهم، وهم مدراء بارزون في هذه الشركات، فضلوا عدم التعليق على الموضوع، ومن تحدث منهم فضل الحديث باقتضاب شديد وبصيغة «تدوير الزوايا»، الامر الذي يؤشر الى ان عصا الترغيب والترهيب لا تزال حاضرة في العلاقة بينهم وبين هيئة اوجيرو، وتحديداً في العلاقة مع رئيسها عبد المنعم يوسف.
«اللبناني ينسى كيف كان وضع الانترنت منذ ثلاث سنوات، وكيف صار اليوم». يقول مدير شركة تقديم خدمات انترنت، فضل عدم الكشف عن اسمه. يعترف المدير بان هناك العديد من الخطوات المطلوب التعجيل في اتمامها لتحسين سرعة الانترنت في لبنان، لكنه يبرر لهيئة اوجيرو التاخير في انجاز هذه المهمة، لان ذلك يحتاج الى وقت، كاشفاً ان الشركات وعدت بتحسين الواقع الحالي من قبل اوجيرو، لكن الاخيرة لم تضع جدولا زمنيا واضحا لانجاز المطلوب من قبلها.
اليوم، وبعد قضاء ما يقارب الشهرين على اعلان الخدمات الجديدة والخفوضات، يتوجه المواطن بطلب توضيح من وزارة الاتصالات عما حصل، ولماذا لم تتحسن الخدمة، بل ساءت عما كانت عليه، والأسباب التي آلت إلى ذلك، كما يُطرح سؤال اساسي عن انخفاض الواردات، وهل وزارة الاتصالات تتوقع فعلا عودة واردات الانترنت إلى ما كانت عليه قبل مرسوم الخفض؟ وكيف؟ وخصوصاً أنه كما بات معلوماً أن الوزارة ليست بصدد زيادة عدد خطوط الهاتف الثابت، وأن اللبنانيين يشكون عموماً من تعذر وزارة الاتصالات عن تأمين الخطوط الثابتة حتى لخدمات الصوت في عدة مناطق من لبنان، وحتى في العاصمة بيروت.
لدى مقارنة خفض الأسعار في المرسوم القديم (٦٢٩٧ /٢٠١١) والمرسوم الجديد (١١٩٦٧/ ٢٠١٤)، وتعديل الباقات المسموح بها في المراسيم القديمة والجديدة، وخصوصاً من ناحية الكوتا، مع الاخذ بعين الاعتبار عدد المشتركين، الذي يقارب ٣٠٠ الف مشترك لدى اوجيرو، ونسب توزيع المشتركين بين العروض، يتبين أنه قبل مراسيم الخفض، كانت نسبة المشتركين الذين يتخطون الكوتا٢٠-٣٠٪ من مجموع المشتركين، بينما تدنت إلى أقل من ٥٪ بعد تعديل المرسوم.
وفيما زادت الكوتا (GB) المعطاة بسعر ١٦ دولارا اميركيا قد زادت بمقدار ١٠ أضعاف، والكوتا المعطاة للمشترك بسعر الـ ٢٣ دولارا اميركيا قد زادت بمقدار ٧ أضعاف، بينما لم تتدن الكلفة، على الاقل ليس بهذا المقدار، وخصوصاً أن تكلفة السعات الدولية على وزارة الاتصالات من المشغل الدولي لم تتدن. أضف أن كلفة التشغيل، أو ما يسمى (OPEX)، هي دوماً الأعلى في تشغيل شبكات الاتصالات، وبالتأكيد فإن كلفة التشغيل لم تتدن، بل على العكس ارتفعت، وتتضمن على سبيل المثال أجور الطواقم الفنية، الإدارة، الصيانة، المحروقات، وغيرها.
بناءً على ما تقدم، يمكن تقدير الخسارة المحتملة في واردات الخزينة، دون الأخذ بعين الاعتبار التكاليف الإضافية الاخرى التي يمكن أن تطرأ، بـ ٣-٤ ملايين دولار شهرياً.

من اصل ١٧ الف خطّ «E1» حصلت الشركات على 1550 خطّاً

اعمال كثيرة يجب على هيئة اوجيرو القيام بها لتطبيق مرسوم الخفوضات على نحو فاعل، يمكن تلخيصها بالتالي:
ـــ توسيع سعات المشتركين على سنترالات المناطق (DSLAM).
ـــ توسيع سعات الربط بين السنترالات، وذلك نتيجة لزيادة سعات كل المشتركين. وهذا لم يجر تنفيذه لشركات تقديم خدمات الانترنت، ولم تتمكن «الأخبار» من الحصول على تعليق من قبل هيئة اوجيرو، للتأكد إذا وُسعت سعات الربط للمشتركين لديها.
ـــ تأمين السعات الدولية اللازمة لشركات تقديم خدمات الانترنت. وبحسب المعلومات لم توفر وزارة الاتصالات للشركات الخاصة سوى جزء بسيط من طلباتها. مجموع ما تقدمت به الشركات هو ١٧ الف خطّ «E1» تقريباً، وما حصلت عليه الشركات هو فقط 1550 خطّ «E1».
وتحتاج الشركات المزوّدة للإنترنت في لبنان إلى سعات شهريّة «E1» تحصل عليها من وزارة الاتصالات بموجب عقود بأسعار محدّدة. ويوقّع الوزير المختص هذه العقود التي تُنفّذها الذراع التنفيذيّة للوزارة: أوجيرو.
وما زالت الشركات تعتمد بمقدار كبير على السعات الدولية عبر الأقمار الصناعية، بسعر يزيد ثلاثة اضعاف عن كلفة الالياف الضوئية، وذلك بالرغم من توافر هذه السعات لدى الوزارة، لأسباب غير واضحة.
وحتى اليوم لم تقم اوجيرو بتحويل الخدمات للسرعات المعتمدة في المرسوم الجديد، لكن العديد من الشركات الخاصة فعلت ذلك.
ومنذ ما قبل صدور المرسوم، اعترض موظفون وفنيون في الوزارة على عدم وجود جدوى اقتصادية في المقترحات التي بُني عليها المرسوم الجديد، إضافةً إلى عدم إمكانية تنفيذها فنياً. وهذا ما أثبتته الأيام، حيث أنه لم يجرِ توسيع غالبية الخطوط، وجل ما حصل أن الوزارة خفضت الكلفة، مما زاد طلب المشتركين على الخدمة، ونتج عنه ضغط على الشبكات، وخدمة دون المستوى، الذي كانت عليه في السابق. علماً أن نسبة لا بأس بها من المقاسم والسنترالات تعمل بالخطوط النحاسية التي لا تحتمل تقديم سرعة أكثر من 4Mbps، فيما سنترالات مثل الضبيه، الذوق، المنصوريه، الشويفات، الدامور، وغالبية سنترالات المناطق البعيدة والقرى، لا تتخطى فيها السرعة الممكنة في أكثر من ٧٠٪ من الخطوط 512\ kbps كحد اقصى.

يمكنكم متابعة بسام القنطار عبر | http://about.me/bassam.kantar