في صور ــ وكم جميل أن تبدأ مقالة عن نشاط فني وثقافي هكذا ـــ تنطلق اليوم الدورة الثانية من «مهرجان لبنان المسرحي الدولي» بجهود قاسم اسطنبولي، المسرحي الجنوبي الذي يكره إسرائيل، لكنه يحبّ المسرح والسينما والموسيقى والفرح والرقص والمقاومة. فالرجل أعاد الحياة إلى عدد من الأصرحة الثقافية في الجنوب اللبناني (صور والنبطية)، بعدما عطلتها الحرب والاحتلال وأهملتها الدولة ولم تَهُمّ «حزب الله»، الذي يبدو أنه، خارج المقاومة المسلّحة ضد إسرائيل، ليس ضليعاً بأمور الناس، لا اجتماعياً ولا اقتصادياً ولا ثقافياً. هو، أي حزب الله، غير مطالَب بالعمل على هذه الجبهات، فمقاومة إسرائيل هي «عملٌ بدوام كامل»، لكنه مطالَبٌ ـــ ليس بدعمها حتى ـــ بل فقط، بعدم عرقلة العمل عليها. فمن حق الناس، في الجنوب تحديداً، أن تطالب بالثقافة غير المشروطة وغير المقيّدة. وهنا عليه، أي الحزب، أن يدرك أن ما ليس مطلباً بالنسبة إليه يبقى مطلباً بالنسبة لغيره، وما لا يهمّه أو ما لا يتوافق مع عقيدته، عليه أن يحترمه، طالما أنه لا يشكّل خرقاً للقوانين… تلك اللبنانية، إن وَجَبَ التذكير. إذاً، في قلب صور، تنطلق اليوم هذه التظاهرة الفنية الهادفة وغير التجارية التي تشمل العروض المسرحية والسينمائية والرقص وعروض الشارع والموسيقى، لفنانين لبنانيين وعرب وأجانب. في ما يلي إضاءة سريعة على الشق، المتعلّق بالحفلات الموسيقية والغنائية، بالإضافة إلى بعض النصائح المفيدة والملاحظات الحريصة.العرض الأول، اليوم، هو موسيقي احتفالي، لفرقة «اليسار»، من النوع الذي نسمّيه في لبنان، والقرى تحديداً، «النوبة». تركيبتها تشبه الفرق الموسيقية العسكرية والكشفية، وتعزف الموسيقى في الشارع، وقد تبيّن لنا، من خلال الصورة المُرفَقَة (وهنا نسجّل أول ملاحظة، لكن بعد قليل)، أنها تتألف من آلات نفخ نحاسية وخشبية وطبول. موسيقياً أيضاً، وأيضاً اليوم، عرض موسيقي لفرقة «يافا» الفلسطينية التي تقدِّم، على الأرجح (انتظروا الملاحظة، بعد قليل) كلاسيكيات غنائية عربية، طربية شعبية وملتزمة، على أن يُختتم اليوم الأول بحفلة لفرقة «نُون» اللبنانية التي تضم ديالا صعب (غناء)، طوني حوّاط (تشيلّو)، أمين منصور (قانون) ولبنان عون (رقّ). غداً، إطلالة موسيقية لمحمد رزق الله وأشرف صالح من ليبيا، وهي بحسب الصورة المرفقة في البيان الصحافي وعلى الأرجح (والملاحظة الآتية تنطبق هنا أيضاً) تتألف من ثنائي كيبورد ودرامز كهربائي. بالتالي فإن مساهمتها ستكون غنائية شعبية، ذات توليفة مختزلة. في ما خص اليوم الثالث موسيقياً، ثمة عرض مسرحي موسيقي لدانيال بلابان، يليه، في اليوم الأخير من المهرجان أمسية لماهر أبو عمر (هكذا ورد اسمه في الصورة المرفقة، في حين نقرأ ماهر أبو عامر في البيان المكتوب، والتحقق من الاسم الصحيح مستحيل عبر الإنترنت!) وهو عازف عود من سوريا.
إذاً، هذا في ما يخص الجانب الموسيقي من المهرجان، وهو الجانب الأضعف مقارنةً بالجانبَين السينمائي والمسرحي. بالتالي، تطوير هذا النشاط يجب أن يحصل تحديداً في الشق المتعلّق بالفرق الموسيقية، اللبنانية والعربية وحتى الأجنبية، والكثير منها متاح وغير مكلِف. أيضاً، على هذه الفرق (اللبنانية بشكل خاص) أن تبادر هي إلى الاتّصال بإدارة المهرجان وعرض خدماتها عليه. فلا بأس بمساهمة غير مدفوعة ترفع من شأن مهرجان بحاجة إلى دعم وتطوير، وخارج بيروت. كذلك، في هذا السياق، أين الدولة؟ أين الكونسرفتوار الوطني لا يحضن هذه النشاطات في الجنوب والمناطق؟ لماذا لا يشرك فرقه (بيغ-باند الجاز) والأوركسترا (الغربية الفلهارمونية والشرقية العربية) في هذا المهرجان تحديداً؟ لماذا لا «تسافر» الأوركسترا الوطنية إلى عكار والبقاع والنبطية بدلاً من الإصرار على بيروت وعلى الأشرفية وعلى «كنيسة مار يوسف» في شارع مونو؟
أما الملاحظة التي نحرص على تسجيلها، فتتعلق بالبيان الصحافي الذي لا يقدّم شرحاً وافياً للفرق المشاركة (تحديداً في مجالات الموسيقى والمسرح والرقص). علماً أنه يعرف أنها ليست من النوع الذي يمكن التحرّي عنه بسهولة من خلال المواقع الإلكترونية. فإرفاق الدعوة الصحافية بروابط ذات صلة وفائدة، أو التوسّع في التعريف المكتوب بأقلّ تقدير، بالإضافة إلى السِيَر الذاتية (وهذه يمكن أن يزوّد المهرجان بها الفنانون أنفسهم) من شأنها أن تستقطب الجمهور وتسهّل علينا العمل والشرح وتوجيه الناس ودعوتهم للحضور. فبعض الفرق لم نعرف إن كانت مسرحية أو موسيقية إلا من خلال الصوَر المرفقة، التي استنتجنا منها أيضاً النمط الموسيقي المفترض أنها تقدّمه! هذا بالإضافة إلى بعض الأخطاء المطبعية التي من الضروري تفاديها (وخاصةً في أسامي الفنانين) والاهتمام أكثر بـ«صورة» النشاط، من تصاميم وغيره. للأسف، الناس تتوقّف عند هذه التفاصيل، وتفوّت أحياناً لحظات فنية ثمينة لأسباب شكلية نعتقد أنها تافهة.