يرحل الصّديق العزيز والمخرج الملهم والنّقابي اللّامع والقومي الاجتماعي الملتزم رضا كبريت (1930 ـــ 2022)، بعد رحلة عمر طويلة في بيروت التي حمل روحها، رحلة أمضاها بين البسطة «جبل النار» كما كانت تُسمّى، ورأس بيروت «جبل النور»، كما باتت معروفة، بسبب جامعاتها ومنتدياتها وصحافتها ومقاهيها. عرفته في ستينيّات القرن الماضي، جمعتني به الجامعة الأميركية في بيروت وكنت طالباً فيها وكان قائداً نقابياً متميزاً. نظمّنا من خلال «رابطة الإنعاش القومي»، التي كان يرأسها رفيقنا الراحل رغيد الصلح ومع الاخوة بشارة مرهج وعماد شبارو ومنصور حريق ومروان زريقات وآخرين، برنامجاً لمكافحة الأمية بين عمّال الجامعة، ولم يكن التباعد الفكري والسياسي بيننا يشكّل عائقاً في بناء أجمل وأصفى العلاقات.
في تلك المرحلة، عرفنا أنّ رضا كبريت النّقابي الملتزم سياسيّاً هو أيضاً مسرحي من طراز رفيع كان يترك عمله كموظّف في «النهار» ليواصل عمله في اللّيل مع ألمع نجوم المسرح في لبنان وبلاد العرب.
بقي رضا متوهّجاً متألقاً كمدينته التي كان يعشق حتى جاءت الحرب اللعينة، فصمد في مدينته في أصعب أيامها، حتى عادت وجمعنا ولدانا ابنه الحبيب طارق وابني الغالي أحمد اللّذان جمعتهما مقاعد الدراسة، فإذ بي أجده كما عرفته دوماً ممتلئاً حيوية ومشيعاً للمرح والفرح من حوله، ومصمّماً على الالتزام بنهج وطني وقومي ثابت. حين ذهبت إلى «مسرح المدينة» في شارع الحمراء لحضور احتفال تكريمه قبل عامين ونيّف، وكان محاطاً بنجوم الفن والفكر والصحافة، وفي مقدّمتهم الكاتب الكبير طلال سلمان والممثلة المبدعة نضال الأشقر، استقبلني رضا بحرارة تحمل ذكريات اللّقاءات الأولى وفرح العبور من الأيام الصعبة التي عاشتها بيروت، قبل أن تدخل اليوم في أصعب أيامها. كان اللّقاء الأخير، وكنت اطمئن على صحته من ولديه طارق ومي، وكان يغمرني شعور أنّ من كان مثل رضا كبريت لا يموت أبداً.. قد يرحل الجسد لكن الروح باقية بين شعبه إلى الأبد.