يبحث المخرج والممثل المسرحي سامي خياط عن رسم البسمة دوماً على وجوه جمهوره. في «وَلاوْ Walaw» (كتابة وتمثيل وإخراج سامي خياط) التي تعرض في «مسرح مونو»، يظهر في مواقف يومية، كانت محط اهتمام الجمهور في لبنان، على مدى السنتين السابقتين، من ثورة تشرين 2019، مروراً بالانهيار المالي والاقتصادي، وصولاً إلى جائحة كورونا وتداعياتها. يمر بطرافته على أحداث عاشها المواطن اللبناني، يدين ويسخر، مقلّداً الطباع والعادات، ليكون انعكاساً للجمهور والمشاهد. تتميز مسرحية سامي خياط بإيقاع سريع. يتنقّل من حالة إلى أخرى، من دون توقف. لم ينهك العمرُ سامي، ولم يملّ المسرح. أكثر من ستين عاماً، وهو في الحالة التفاعلية نفسها مع الجمهور، الذي بناه وأسسه على مدى سنوات. يدخل في بداية المسرحية، كمهرج محبّب إلى خشبة المسرح، ليسرد علينا أزماتنا بطريقة تهكمية، تقارب الواقع من منظور عام. يفند علينا الحوادث، فيسخر من مراسلي الشاشات اللبنانية، وتغطياتهم لأحداث تشرين 2019، يطل على الجائحة وما تركته من عزل وحجر. يتناول أزمة الدولار وأثرها. لا يغوص كثيراً هذه المرة، في السياسة ودهاليزها، بل يضع الأزمات الاجتماعية والمعيشية كارتفاع سعر المحروقات، والحياة الاستهلاكية للبنانيين، وسفرهم إلى الخارج، ليقدمها في سياق مادة مضحكة للجمهور.

يظهر سامي خياط في مسرحية «وَلاوْ Walaw» كشخصية ديناميكية، عفوية، ورشيقة ذات حرفية عالية في الأداء

يمكن القول إن الأسلبة تسيطر على الأداء العام للمسرحية. أسلوب يرتكز إلى تقديم الواقع في شكل مبسط ومحدد، من دون تفاصيل. كما تدل الأسلبة، على تناول عدد معين من الخطوط البنيوية العامة للظواهر. تتحقق الأسلبة هذه، بحسب المؤرخ البريطاني هانز غومبريتش، (1909 - 2001) «عندما يميل الفنان إلى ما هو مرسوم، أكثر من رسم ما يراه». بعبارة أخرى، فإن سامي وضع محتوى مسرحيته، تجاوباً للواقع العام، أكثر من محاولة طرح مفاهيم أيديولوجية أو نقدية معمقة. يقول سامي في هذا الإطار، إنه بدأ بتجميع مادته، وأفكاره، ومشاهداته، أيام الحجر المنزلي. كان يترقب ويراقب كل ما يحدث، تحديداً على الشاشات اللبنانية. ثم عمل على إعادة صياغة الأفكار، في نص مسرحي بسيط ولطيف. يقول إنّ الهدف من «وَلاوْ Walaw» هو التوجه للبنانيين بعدم الخجل من وطنهم. قد تكون هذه فكرة ملحة بالنسبة إلى سامي في خضم كل هذه الأزمات التي نعيشها، لأن الغرض من عمله المسرحي، هو إشباع الجمهور بالأمل.
في البنية الخارجية، تبدو المسرحية سهلة، بسيطة، غير متكلفة فنياً. السينوغرافيا بمجملها من ديكور، وأزياء، وإضاءة، بسيطة، تخدم مضمون النص في بعض الأحيان. أما على مستوى الأداء التمثيلي، فيظهر سامي كشخصية ديناميكية، عفوية، ورشيقة، تضمر حرفيةً عاليةً في الأداء التمثيلي.
على صعيد آخر، تندرج «وَلاوْ Walaw» تحت مسمى الكوميديا بأشكال وأساليب مختلفة ومتنوعة. مثلاً، عندما يستحضر سامي في كلامه على المسرح، المراسلين العاملين في الشاشات اللبنانية، ويوجه لهم انتقاداً على مخارج الحروف، وكيفية التعامل مع أحداث قطع الطرقات، أو يتهكم على أن معظم المراسلات، تبدأ أسماؤهن بحرف «الراء» (رنيم، رنين، رواند) أو عندما يأتي على سيرة الأطباء الفاعلين في مجال التوعية حول وباء كورونا، يحقق بذلك الغرض من الكوميديا الهجائية التي تنتقد فيها مهنة اجتماعية أو سياسية أو «عيباً» بشرياً. أما عندما يتناول أزمة اللبناني، الذي يحب السفر وما عاد باستطاعته، نتيجة أزمة الدولار، فيضع جزءاً من العرض تحت إطار «كوميديا الصالونات» وإن قدمت على خشبة مسرح. إذ إن هذه الكوميديا يكون فيها الهزل شفهياً فقط، ولطيفاً، ويقتصر الفعل فيها على تبادل أفكار أو شواهد أو فظاظة، مصاغة بشكل ملطف. يمكن القول أيضاً، بأن المسرحية تأتي تحت مسمى «كوميديا البورليسك»، التي تقدم سلسلة حوادث عابرة، هزلية وممازحة ومضحكة، تحصل مع شخصية غريبة الأطوار مثل سامي. ظهر ذلك بشكل واضح عندما قصّ حكايا رحلاته إلى الدول الأجنبية، والحوادث الفكاهية التي تحصل معه هناك. في المحصلة، قدم سامي أنوعاً عدة من الكوميديا، وهذا ما يستدعي التساؤل عن تقديم هذه الأنواع في سياق العرض الزمني والمكاني.
إذا ما غصنا كثيراً في تأثير هذا النوع الفني على الجمهور، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن، هو أن المسرحية تبعث على الضحك، الذي هو «آلية ملازمة للإنسان»، بحسب الفيلسوف الفرنسي هنري برغسون (1859 - 1941). الذي يقول «إن حالات الجسم البشري، وإيماءاته، وحركاته، تبعث على الضحك في النطاق الصحيح. عندما نرى مستويات حركية متشنجة، أو تجارب شفهية، وسلسلة إثارات غير اعتيادية ومفاجئة وهزلية، تتحقق هذه الآلية». تماماً هذا ما فعله سامي في كل إيماءاته، وحركاته على المسرح، لقد رسم ضحكة في ظلامية المشهد وقتامة الصورة العامة، والأزمات التي يعيشها الجمهور.
تسيطر الأسلبة على الأداء العام للمسرحية


سامي خياط الذي كان مقرراً أن يقيم احتفالية 60 عاماً من العمل في المسرح العام المنصرم. بدأ مسيرته، في هذا المجال منذ الصغر، عندما كان بيت العائلة في «دلبتا» الكسروانية، يعج بالزوار. كانت أمه وجدته، تقيمان حفلات الرقص والفرح. كما ساهم والده ألبير، ذو المكانة الاجتماعية المرموقة، والعامل في مجال حقوق الإنسان والحيوان والطبيعة، في مده بأساليب إخراجية بدائية، عندما كان يقيم مغارة الميلاد، ويجسد أصوات الرعد، مستعيناً بالـ «التنك» والأضواء لتجسيد البرق. كانت لمزاج أبيه الفكاهي، قدرة على جعل سامي يتمتع بحس حلو أيضاً. هو حاصل على دكتوراه في الألسنية، ودرس القانون والمحاماة، والأدب الفرنسي المعاصر، وأكثر ما يميزه على المسرح، وفي الحوار معه، هو «الفطرة»، التي لا يمكن التهاون بقدرتها على خلق الفكاهة. في مسرحية «وَلاوْ Walaw»، يختم سامي كما جرت العادة، منذ سنين، بتطيير طائرة ورقية صغيرة في صالة المسرح. مَن يمسك بها، يؤمن له تذكرتين مجانيتين ليكون على موعد مع عروض أخرى من الكوميديا، بأنواعها المختلفة. وإذا كان المسرح قد شهد تغييراً كبيراً وجذرياً، على مستوى الشكل والمضمون، إلاَّ أن سامي لا يزال متمسكاً بهذا النوع المسرحي وأساليبه، ولا يزال إيمانه راسخاً بأنّ للمسرح قدرة على الترفيه.

* «وَلاوْ Walaw»: أيام 4 و5 و 6 شباط (فبراير) ومن 10 حتى 13 شباط ـ «مسرح مونو» (الأشرفية) ـ للاستعلام: 01/202422