ما هي الملامح الأساسية لتجربة فارس يواكيم المسرحية؟ لم تكن الكتابة المسرحية في حسباني ولا احتراف الكتابة. درست الإخراج، لكن لم تتح لي فرصة إخراج فيلم، بينما طُلِبَ مني أن أكتب السيناريو، ولم يكن ذلك صعباً. فالذي يدرس الإخراج يدرس السيناريو كمادةٍ أساسية. وهكذا بدأتُ الكتابة من باب السينما في فيلم مصري لبناني مشترك، وكان للنجم الكوميدي اللبناني شوشو دور رئيسي فيه. دعاني بعدها لإعداد نصّ لمسرحِهِ، فكانت بداية احترافي وتبلوُرَ تجربتي في الكتابة للمسرح في لون أحبه ألا وهو المسرح الشعبي. تكويني الأكاديمي والثقافي كان يؤهّلني للكتابة في لون مسرحي آخر، لكنني أحبُّ الجمهور، وأفضّلُ الجمهور الغفير. لم أكن غريباً عن عالم المسرح، فمادةُ الدراما كانت أساسية في دراستي، وقرأتُ وشاهدتُ الكثير والمُنوَّع من المسرحيات من الكوميديا الشعبية إلى عروض المسرح القومي الرائعة، والمسرح النخبوي التجريبي «مسرح الجيب».

«آخ يا بلدنا» (1973) مسرحية نقدية وكوميديا شعبية ذات مضمون سياسي اجتماعي، اعتبرها معظم النقّاد قفزةً نوعية ثُلاثية في تاريخ شوشو والمسرح والجمهور. كيف تنظر اليوم إلى هذه التجربة؟
لم أُخطِّط لإنجاز هذه التجربة على النحو الذي جاءت عليه، وكان التعاقد مع روجيه عساف نقطة الانطلاق حيث استغرب كثيرون يومها هذا التلاقي. لكنهم لم يكونوا على دراية بأن عساف مُخرج يجيد مخاطبة الجماهير العريضة ويحب المسرح الشعبي. التعاون معه فرض على المسرح اختيار عمل من نوعٍ مختلف، فكانت «أوبرا القروش الثلاثة» لبريخت وهي ذات مضمون سياسي اجتماعي ملائم اعتمدتُها بنجاح لكي أجعلَ النصّ كوميديا توافق مزاج الجمهور الذي يريد أن يضحك أولاً، وبالتناغم مع عساف الذي نجح في إخراجٍ بديع جمعَ الجمالية والكوميديا عطفاً على حضور شوشو عنصر الجذب الرئيسي بأدائه الساحر وكعاملِ ضمان النجاح الجماهيري. هذه المسرحية حقّقتْ ما كنت أحلمُ به منذ البداية، أعني إنجاز هذه التوليفة التي تطورَ معها المسرح من الشَّعبي العادي الذي يُقبلُ عليه الناس، إلى الشَّعبي المُعَبّر عن همومهم، مع إقبالهم الغفير أيضاً. والمفارقة السعيدة أنّ «آخ يا بلدنا» ضربت الرقم القياسي في مُدّة عرضها. ولا يسعني إلا أن أذكر أيضاً نجوم التمثيل المُجلِّين بأدائهم إلى جانب شوشو، وأحيّي ذكرى اللواتي والذين رحلوا منهم، والأحياء وأرجو لهم الصحة: سميرة بارودي، أحمد الزين، أمال عفيش ويوسف شامل.

برأيك، لماذا يُصرُّ الكاتب اللبناني على الاقتباس والإعداد عن الربرتوار العالمي بعيداً من التأليف الخاص والخالص؟
في البلدان العربية التي نشأَ فيها المسرح، ومصر أوّلها، وبمساهماتٍ من الشّوام، اعتمد المسرح في البداية على نصوص مُقتبسة أو مُترجمة بتصرف، أو مُترجمة أمينة عن المسرح العالمي. عُمْرُ المسرح في لبنان قصير نسبياً وكان طبيعياً اللجوء إلى المصادر العالمية. لكن مع نضوج التجربة، ظهر المؤلف المسرحي، أذكر: أنطوان معلوف، عصام محفوظ، أسامة العارف، إدوار البستاني وسواهم. أنا شخصياً مررتُ بالخطوات ذاتها. الاقتباس يعني اللَّبنَنَة مع تصرّف بسيط، والإعداد يعني الارتكاز إلى فكرة مسرحية عالمية وكتابتها من جديد، وهذه عملية شبه تأليفية مارستُها في «جوه وبرّه» عن «ألاعيب سكابان» لموليير، وفي «الدنيا دولاب» عن «كرايتون المحبّب» لجيمس باري. ثم سلكتُ طريق التأليف في نصَّين قُدّما في مسرح شوشو: «فوق وتحت» (إخراج برج فازليان) و«خيمة كراكوز» (إخراج روجيه عساف ).

أنت تعيش مرحلة تقييم وبلورة تجربتك الطويلة كتابة ونشراً. ما جديدك في هذا المجال؟
عندما لا تُتاح الفرصة للعمل كمؤلِّف ضمن مجموعة متجانسة، أُفضِّلُ اللجوء إلى الإبداع الفردي. اللوحة التشكيلية يبدعها الرسام وحده والقصائد يكتبها الشاعر بمفرده والكُتُب يؤلفها الكاتب من دون تعاون مع فريق. تبقى مشكلة الإنتاج الذي ينقل هذا الإبداع من صاحبه إلى الناس. منذ فترة عكفت على تأليف الكتب وصدر لي في القاهرة «الأسرابُ الشَّامية في السماء المصرية» عن «دار ميريت»، وهو يتناول دور الشّوام في النهضة الثقافية والإعلامية في مصر منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين. وفي بيروت، صدر «ديوان شبلي شميل» عن «الفرات للنشر والتوزيع»، لكنه لم يُطرح في الأسواق بعد. هنا جمعت قصائد مُبعثرة لشميل الذي لم يُصدر ديواناً في حياته، وحققتُها وقدّمتُها. وهناك قيد النشر خمس مسرحيات من تلك التي كتبتها لمسرح شوشو، إضافة إلى مسرحيتَي «الشلمصطي» و«كرامبول». وهذه كلها عُرضت، لكن لم تصدر نصوصها مطبوعة. أفدت من الحجر الإجباري خلال جائحة الكورونا وتفرّغت تماماً لهذه الكتب.