قد يحمل مسمّى «مدرسة بيروت الصيفية للمسرح وفنون الأداء»، دلالةً توحي بتعليم كلاسيكي للمسرح. إلّا أن المدرسة، التي أسّسها ويُدير برامجها الفنان البصري علاء ميناوي، تختلف عن كلّ النظم السائدة في تعليم المسرح والفنون الأدائية، إذ إنّها بعيدة عن أسس التعليم التلقيني، الذي توصم به الجامعات والمعاهد والمدارس في لبنان. أسباب ملحّة دفعت ميناوي، وعدداً من العاملات والعاملين في الشأن الفني والثقافي إلى تأسيس هذه المدرسة. لعلّ أبرزها الانهيارات والأزمات المتلاحقة على الصعد كافة، إلى جانب سياسة رسمية إقصائية وتهميشية لدور الفنون منذ عقود حتى الآن في ظلّ الانهيار الكبير وغياب واضح لمناهج المسرح في التعليم الرسمي. وإن وجدت المناهج في عدد من المدارس الرسمية والخاصة، تكون مهترئة أصلاً. أضف إلى ذلك إنماءً ثقافياً وفنياً غير متوازن، كانت حصيلته ضرب الذائقة الفنية، وغياب الوعي حول أهمية الفنون في سياق المتغيّرات الكبرى. بين الحين والآخر، تخرج مبادرات فردية تحاول ردم هذه الهوة الواسعة، فأيّ دور تلعبه المبادرات الفنية؟
(هودي سعد)

يقول علاء ميناوي، إنّ التعرّف إلى الاحتمالات المختلفة للمسارات المسرحية من قبل فاعلات وفاعلين، وعاملات وعاملين في الشأن الفني، لنقلها إلى المبدعين الناشئين، من شأنه إحداث خرق في هذا المسار. «هدفنا التغيير» يقول علاء، قبل أن يُضيف: «نحاول الخروج عن الأنماط السائدة، ليكون المسرح مؤثراً، وفاعلاً، وعاملاً تغييرياً مهماً، في حياتنا ومجتمعاتنا». وعليه، تطلق «مدرسة بيروت الصيفية للمسرح وفنون الأداء»، سلسلة ورش عمل هذا العام، في عدد من الفنون الأدائية، منها التمثيل، والإخراج، والرقص المعاصر، والارتجال، وتصميم الإضاءة والسينوغرافيا، وتصميم الأزياء، والصوت، والكتابة المسرحية، يقدمها عدد من الخبراء، كلٌّ في مجاله. تُقام هذه الورشات في عدد من الفضاءات في بيروت مثل «مانشن» (زقاق البلاط)، و«استوديو لبن» (زيكو هاوس) ومركز «Houna» (الحمرا)، و«اتجاهات» (مار مخايل).
على مدى خمسة أسابيع متتالية، سوف توفّر «مدرسة بيروت الصيفية للمسرح وفنون الأداء» 12 ورشة في الممارسات المسرحية، بشكل بعيد عن التعليم التلقيني. «من سيعطي ورش العمل، بنى أرضية كبيرة وواسعة، وسيرة مهنية متفرّدة، في العمل الميداني. ومن المقرّر أن ينقل هذه الخبرة العملية، إلى أشخاص يسعون إلى بناء وتطوير إبداعات في المجال المسرحي لاحقاً». قد يكون ذلك، من أكثر ما يميّز عمل المدرسة الصيفية، كونها تأتي بعيدة عن الرتابة، وتنشّط الإبداع، وتحفّز خيال المشاركين في الورش، وتزوّدهم بكل ما يمكن أن يعترض عملهم على الأرض.
استكمالاً للأهداف التي تم وضعها، يقول علاء ميناوي، «إنَّ المدرسة الصيفية مجانية، ولا يدفع المشاركون أي رسوم، على أن يلتزموا بالحضور، خلال البرنامج المدرسي، وفي الوقت المحدد». في هذا السياق، فإنّ الفئة المستهدفة هي طلاب المسرح وفنون الأداء، في مراحل دراستهم الأخيرة، أو الخريجون الجدد، أو المحترفون الناشئون، أو الأفراد الذين يملكون خبرة متواضعة في المسرح وفنون الأداء. بالطبع، لا تخوّل ورشات العمل أن يكون المشارك فيها خبيراً، لأن هدفها، إعطاء نظرة شاملة على المسار الفني. يُذكر هنا أنَّ ورشة العمل، لا تكون حصيلتها عروضاً أدائية ومسرحية، بل تبقى مشاركة الخبرات، وتفعيل العمل الفني، هما هدفها الرئيس. كذلك، من المقرّر أن تُقام الورش، من الخميس إلى الأحد، ابتداءً من 9 حزيران (يونيو) لغاية 10 تموز (يوليو) المقبل.
من أبرز الأسماء التي ستقدّم ورشاً، الفنان المسرحي بشارة عطالله، الذي سيُشارك خبرته الواسعة في مجال انتقاء الأزياء للشخصيات المسرحية، واستكشاف تأثير الأزياء على سلوك الممثلين في لعب شخصياتهم التمثيلية. كما سيُقدم الكوريغراف اللبناني علي شحرور، ورشة حول تقنيات الرقص المعاصر وتسلسلها المنطقي، وكيفية العمل على ابتكار الكوريغرافيا المعاصرة، بالتركيز على ذكريات الجسد والأمتعة الخاصة بالفرد ونوعية حركته. وتقدم الممثلة اللبنانية كارول عبود ورشة في كيفية بناء الشخصية الدرامية، مشاركةً خبرتها في التمثيل وبناء الشخصيات وفق أساليب ومناهج مختلفة. على أن يعطي المنتج ومصمّم الصوت زياد مكرزل، نظريات وتجارب تفاعلية في كيفية استخدام تقنية الصوت بشكل خلّاق في المسرح.
ورش عمل في التمثيل، والإخراج، والرقص المعاصر، والارتجال، وتصميم الإضاءة والسينوغرافيا وغيرها


بدوره، يقدم علاء ميناوي خبرته في الإضاءة المسرحية، مشجّعاً المشاركين على تحويل روايات شخصية مرّوا بها، إلى سرديات ضوئية، في سبيل ربط الضوء، كأداة فنية، بالتاريخ الشخصي للمشاركين. وبينما تركز ورشة الكاتبة والمخرجة المسرحية كريستيل خضر، على الكتابة المسرحية الارتجالية كمساحة سياسية وتجريبية وجماعية، ستتناول ورشة المخرج المسرحي هاشم عدنان الدراماتورجيا والمراحل المختلفة لعملية الإخراج المسرحي والنظر في العلاقة بين السياسة والمسرح. من اللافت أيضاً تخصيص المدرسة مساحة لفن الـ Drag بجميع أشكاله وأغراضه، يقدمها الكوريغراف والراقص اللبناني هودي سعد. سيتعرّف المشاركون إلى العناصر الأساسية لهذا المسمى الفني، الآخذ بالصعود حالياً في لبنان، وكيف يمكن لأي شخص أن يبدأ حياته المهنية في هذا المجال الفني. تتعدّى أسماء المشاركين الـ 12 فاعلاً في المجال الفني، مثل بترا سرحال التي ستُعطي ورشة في الكوريغرافيا والبحث، وحسين بيضون في السينوغرافيا، وعلي ضاوي في أساسيات المسرح الارتجالي.

* للمشاركة وتقديم الطلبات: alaaminawi.com