كميل سلامة (1950) مؤلّف ومُمثّل ومُخرج مسرحي مخضرم، يُعدّ من الرعيل المُؤسِّس للحركة التمثيلية التي صنعت المسرح في لبنان منذ أوائل سبعينيات القرن الماضي. لعب أدواراً رئيسية على الخشبة وهو في طور تحصيله الجامعي في معهد الفنون في الجامعة اللبنانية الذي تخرّج منه عام 1975 في اختصاص التأليف المسرحي. انخرط في أعمال مهمةٍ مع روّاد المسرح الحديث: لطيفة ملتقى، وشكيب خوري، وفيليب عقيقي، وريمون جبارة، ومادونا غازي، ومنير معاصري وغيرهم. هكذا، قدّم «تحت رعاية زكور» (1972)، و«علاء الدين والمصباح السحري» (1975)، و«دكر النحل» (1975)، و«الكوخ المسحور» (1984)، و«صانع الأحلام» (1985)، و«مدينة الألوان» (1989)، و«كيف هالتمثيل معك» (2008)، عطفاً على دوره الشهير في مسلسل «عشرة عبيد زغار» (1973). في التأليف، كتب سلامة مسرحيات للصِّغار والكِبار منها: «ضهر الشّير» (1981)، و«طرّة نقشة» (1985)، و«أوبة خالتي» (1988)، و«البرنيطة». هنا دردشة سريعة معه:
هل تؤمن أنّ المُمثل هو الأساس في المسرح لا المُخرِج؟
ـــ مجرّد طرح السؤال بهذا الشكل يتناقض مع مفهومِي للمسرح. فالمسرح كما عرفته كممثّل مع كبار المخرجين، وكما عملت فيه كمؤلّف وكمخرج مع ممثّلين، هو عمل جماعي متكامل لا ينجح إلّا بتضافر مجهود كلّ فرد فيه. ليس هناك عنصر أساس وعنصر ثانويّ في المسرح. لكلّ دوره، فإذا انتفى أو طغى أو حاول أحدهم نَسْبَ أيّ نجاحٍ لنفسه، ينتهي. ليستْ هذه الإجابة مجرّد تمنٍّ أو تنظير، إنّها واقع، وليستْ الممارسة الخاطئة أحياناً هي المقياس الذي يفترض أن نعتمده في النظر إلى المسرح.

هل حقّقت كل ما تريده من المسرح؟
ـــ في بداية كلّ عمل تتمنّى أن تحقّق النجاح، وعندما ينتهي وتجلس في الصالة تتفرّج على تفكيك الديكور تشعر بغصّة، وتعتريك مشاعر متناقضة: هل حقّقت ما تريد من هذا العمل؟ هل هو آخر عمل؟ هل سيكون لديك الحافز والوقت والإمكانيّة لتبدأ من جديد؟ مستحيل أن تعرف ما تريد من المسرح، لتعرف إذا كنت حقّقت ما تريد. المسرح بالنسبة إلى المسرحيّين هو حياة. تنتهي الحياة من دون أن تعرف إذا حقّقتَ شيئاً. لكن ربّما الرضى بعد كلّ عمل هو ما يخلق لدينا الرغبة في الاستمرار والمحاولة.

هناك دائماً حساسية أو مشكلة ما بين المؤلف والمخرج، أين الممثل منها؟
ــ عندما يسلّم المؤلّف نصّه لمخرج، فهو حريص على أن يبرز أفكاره، والمُخرج عندما يقبل بإخراج نصّ، فلا بدّ من أنّه اقتنع بالمضمون والفكرة والكتابة، وإلّا فلماذا قَبِل؟! طبعاً لدى المخرج آراؤه، وهنا أهميّة جلسات النقاش مع الكاتب للتوصّل إلى النصّ النهائي باقتناع المؤلّف واحترام المخرج. بالمختصر، هناك مقولات لا أحبّها: «النصّ مُنزَل»، و«المُخرج كاتب ثانٍ»، و«الممثّل الذي يرتجل حسب مزاجه». غِنى المسرح هو التمارين التي قد تستمرّ أشهراً، وعندما تنتهي تكون المسرحيّة في عرضها الأوّل وعرضها الأخير هي نفسها.

ما الذي تنصح به الجيل الجديد من المسرحيّين؟
ـــ لست ممّن يعطي النصائح. كلّ فرد عليه أن يخوض تجربته، المهمّ أن يكون الشغف حقيقيّاً، والأهمّ الثقافة المكتسبة بالمجهود الشخصيّ. ومنّي لفتة صغيرة: اذهبوا وشاهدوا كلّ الأعمال. اذهبوا إلى الجامعات وشاهدوا التمارين والامتحانات، شاهدوا ما تستطيعون من أعمال أجنبيّة ومحليّة. اعرفوا ما يجري، فإذا كان المستوى جيّداً تستفيدون، وإذا كان سيئاً ستعرفون ماذا ومن تتجنّبون.

بعد تجربتك الغنية والطويلة، أي مسرح أو أي مدرسة مسرحية تناسب الجمهور اللبناني برأيك؟
ــ هل الجمهور كلّه يختار الملابس نفسها ويأكل الطعام نفسه؟ إنّ تنوّع المسارح هو غنى لتنوّع الأذواق. المهمّ إدخال مفهوم المسرح إلى الأذهان ليصبح جزءاً من الحاجات اليوميّة، وقد تكون المدارس هي المكان الأنسب للبدء بهذه الرحلة الطويلة جداً.

هل تعتقد أن المسرح «بيطعمي خبز» كما يقولون؟
ــ عمليّاً لا . العمل في المسرح (كاتب، ممثّل، مخرج، إضاءة...) لن يكفي وحده. البلد صغير والجمهور لا يكفي، وربّما عروض العمل لا تكفي للاستمرار فقط في هذا المجال. لا يجوز أن نقارن أوضاعنا ببلاد أكبر مساحة وأكثر سكّاناً وأعرق اهتماماً بالثقافة حيث تنشأ فرق مسرحيّة تتلقّى دعماً وفق قوانين وضعَتْها دولُهُم. «بطعمي خبز؟» نعم، لمدّة زمنيّة تطول أو تقصر، لكن لا يمكن التفرّغ للمسرح بمختلف وظائفه، ومن هنا أهميّة الانفتاح على مجالات تتكامل مع المهنة (تدريس، سينما، تلفزيون، دوبلاج...)

بهذا المعنى، أنتَ تعتبر أنّ الدولة (وزارة الثقافة) مُقصّرة بحق المسرحيين الأوائل، معنوياً واجتماعياً؟
ـــ لا الأوائل ولا الحاليّون بدؤوا ويستمرّون مُنتظرين دعماً أو معتمدين عليه. كان هناك بعض الدعم السنويّ لأعمال مسرحيّة، إنّما لم تكن هناك خطّة متكاملة في هذا المجال، وطبعاً لن يكون هناك في ظلّ الظروف الحاليّة. فكرة التقصير أو عدمه هي حكم على النوايا ولا ندري ما هي النوايا.

هل هناك تجارب مسرحية جديدة اليوم تلفت نظرك وتثير اهتمامك؟
ـــ كلّ تجربة جديدة مُلفتة. أحترم وأثمّن كلّ تجربة حاليّة في المسرح. فكما كنّا مجانين نتدرّب ونستأجر مسارح ونعرض في بداياتنا رغم الحرب والقصف والتفجير، ها إنّ جيلاً مسرحيّاً يخوض تجربته. كلّ عمل هو جدير بالاهتمام. النتائج الجيّدة تحصيل حاصل يأتي بتراكم التجارب.

ألا ترَ أن التلفزيون والسينما والإنترنت اليوم أثّرت في تراجع الإقبال على المسرح ؟
ـــ لم يكن الإقبال على المسرح يوماً ليُنافس التلفزيون من حيث عدد المشاهدين، فما يأتي إليك وأنت في البيت يتفوّق على ما يتطلّب منك الخروج والتنقّل والدّفع. زدْ على ذلك حالياً، الإنترنت والمنصّات والتواصل الاجتماعي. إلّا أنّ اللّافِتْ هو هذا الجيل الشابّ الذي يحبّ الاكتشاف ولديه الفضول والاهتمام للذهاب إلى المسرح. ربّما ظروفنا الحاليّة هي استثنائيّة ولا تسمح لنا بتكوين فكرة واضحة عن الإقبال على المسرح أو تراجعه. على أمل أن تستقرّ أوضاع تسمح للمسرحيّين أن يبرمجوا أعمالهم ويقدموا على عروض يرجون لها استمراراً. وعندها سيعود الجمهور ليجعل من المسرح مكاناً يوميّاً يعيش طوال الموسم وليس مجرّد عرض ليومين أو ثلاثة.