في دهاليز رواية «الجدار» (1936) لجان بول سارتر، يصحبنا الممثل والمخرج أندره بو زيد، في عرضه المسرحي على خشبة مسرح «مونو». القصة التي تصوّر وضعاً، يتم فيه الحكم على ثلاثة سجناء بالإعدام، تحضر فيها مفردات الحرية والوجودية، بشكل مبسّط وسهل. تتحول مجموعة من السجناء السياسيين الجمهوريين الإسبان في الرواية الأصلية، الموجودين في المعتقل الفاشي تحت إمرة الجنرال فرانكو، إلى شخصيات لبنانية في العرض الذي يحمل عنوان الرواية، ما يقرّب المسافة أكثر، من المعاني التي يحملها نص الفيلسوف الوجودي جان بول سارتر.
أندره بو زيد في العرض

تعد الرواية الأصلية، تجسيداً حياً لفكر سارتر، في وصفه للمشاعر الإنسانية وهي تواجه أقصى لحظات الحرج، وفي أصعب المواقف. كما أنها حدّدت موقعه الفكري والسياسي، بخاصة أنه كتبها بوصفها نموذجاً لأدب الموقف، وتعبيراً عن موقف وجودي، ملتزم بالحياة وبمسألة الحرية. يقول بو زيد، إنَّ تحويل رواية إلى عمل مونودرامي صعب لناحية احترام الفلسفة والرسائل الموجودة في النص، إذ إنّه من الأسهل قراءتها، لكنها صعبة التجسيد على الخشبة. من هنا يأتي دور «المسرَحة»، في إيجاد طريقة درامية لوضع سيناريو مسرحي لإيصال هذه الرسائل. وعليه، حافظ بو زيد على الرواية الأساسية، ولم يغيّر في بنيتها السردية، ما عدا المناطق الجغرافية في إسبانيا، وأسماء الأبطال في الزنزانة، ليصبحوا لبنانيين، انطلاقاً من حرص المخرج على تقريب مفردات الحرية في نص سارتر، من الجمهور اللبناني أولاً، ولأن الأحداث الوحشية والقمعية قد تحصل في أي زمان ومكان.
العمل الذي قُدم للمرة الأولى في عام 2019، عندما كانت ثورة 17 تشرين في أوجها، يتصل بسياقات راهنة، يعيشها الجمهور اللبناني. يقول بو زيد إنّه تردّد كثيراً قبل إعادة تقديم هذا العمل، «لأن الناس بحاجة إلى التسلية بسبب الضغوط التي يتعرّضون لها». يأتي قول مخرج «جدار» (تمثيل مسرحة وإخراج أندره بو زيد ــ إشراف عايدة صبرا)، مقروناً بإطار إخراجي، على مستوى الشكل: سينوغرافيا السجون، المألوفة (مخدة وفراش، شراشف... طاولة، وشمعة، ونبيذ لكتابة المذكّرات) والإضاءة المعهودة التي تتنوع بين البارد والغامق، والموسيقى التزيينية التي تحرّك العواطف. صحيح أنّ أندره بو زيد نجح في تقريب مجمل المعاني الوجودية من الجمهور اللبناني، لكن هل كان يجب تقديمها في قالب مسرحي بهذه الطريقة؟ أم أنّ الأمر يتطلّب بلورة فنية أخرى، تحثّ المتلقّي على التفكير بشكل أعمق، خصوصاً في خضمّ السياق الشائك الذي يعيشه الجمهور اللبناني؟ أسئلة تبقى رهن مشاهدة «جدار» لأندره بو زيد، الذي جسّد ما كان سارتر يصبو إليه، وأتاح للمتفرج الاطّلاع على أحداث قصة، تصلح في أزمنة وأمكنة متعددة.

* «جدار» لأندره بو زيد: س:19:30 حتى الجمعة 16 كانون الأول (ديسمبر) ــــ مسرح «مونو» (الأشرفية ـ بيروت) ــ للاستعلام: 71/779400