قبل أن يقفل عام 2022 فصله الأخير، اجتمعت سبعة أسماء من المحترف المسرحي اللبناني لتعلن تأسيس جمعيّة تُعنى بأرشفة الوثائق والكتب والنصوص والموارد المسرحية المتعلّقة بالمسرح في لبنان والعالم العربي. أُعلن ذلك خلال مؤتمر صحافي أقيم في «مسرح المدينة» في بيروت قبل نهاية العام، تخلّله عرض موجز قدمه المسرحيون فائق حميصي، وعايدة صبرا وفادية تنّير، حيث تمّ التعريف بالمؤسسة وأهدافها ومؤسسيها. تضم جمعيّة «فضاء» سبعة أعضاء مؤسسين هم: عليّة الخالدي، لينا أبيض، عبد الرحيم العوجي، ديمة متّى، مي مروة، وليد صليبا وفيروز أبو حسن. وتهدف الجمعيّة إلى جمع كل الموارد والمعلومات المتعلقة بالمسرح في لبنان والعالم العربي في مكان واحد، بحيث سيتسنى للباحثين الوصول إلى مواد بحثية مؤرشفة ومرقّمة بمهنيّة عالية. فكيف ولدت فكرة إنشاء جمعيّة تعنى بأرشفة المسرح اللبناني والعربي؟ تشير المخرجة والأكاديمية عليّة الخالدي إلى أنّ فكرة الأرشفة تسكنها منذ عام 1986: «في هذا العام كنت قد بدأت لتوّي دراساتي العليا في إنكلترا. وحين دخلت لحضور أوّل صف لي في الجامعة، فاجأني الأستاذ بسؤاله، إذ طلب من التلاميذ أن يحدّثوه عن طبيعة المسرح في بلدهم وما يميّزه. حدثته زميلتي اليونانيّة عن المسرح اليوناني، وزميلي الياباني عن المسرح في بلاده، ثمّ جاء دوري، ولم يكن لديّ ما أرويه عن المسرح العربي! لقد تعلمت في سنواتي الجامعيّة الأولى عن بريخت وشكسبير، لكن لم يطلعني أحد عن المسرح العربي. منذ ذلك اليوم، قررت أن أتعلم أكثر عن المسرح العربي وقدمت أطروحتَي الماجستير والدكتوراه عن تاريخه، كما واظبتُ على شراء الكتب التي تتناول المسرح العربي، حتّى أصبح لديّ اليوم نحو 300 كتاب باللّغة العربيّة، إلى جانب الأرشيفات التي عملت على جمعها، وقد آن الأوان أن نجد فضاءً للأرشيفات التي عملنا، أنا والأعضاء المؤسسين، على جمعها لتصبح في متناول الجميع».
رغم أنّ الفكرة اختمرت في ذهن الخالدي عام 1986، حين كانت لا تزال طالبة جامعيّة، إلا أنّها لم تبصر النور إلا مع انتهاء عام 2022. توضح لنا بأنّها ثابرت على عرض هذا المشروع على مدى عشر سنوات، في الجامعة حيث تعمل، لكنه لم يحظَ باهتمام رؤساء قسم المسرح الذين تناوبوا على رئاسة القسم مع مرور السنوات. ثم تروي عن اجتماعاتها مع الباحثة الراحلة وطفى حمادي إلى جانب المخرجة لينا أبيض. تقول: «كانت وطفى شغوفة بالأرشفة والتوثيق، وكنا نجتمع دوماً، أنا وهي ولينا أبيض، للحديث عن هذا المشروع الذي طالما حلمت بتنفيذه على أرض الواقع. رحيل الدكتورة وطفى كان بالنسبة إليّ نقطة التحوّل، فالحياة قصيرة جدّاً، وهذا الحلم الذي نسجته على مدار السنوات لم يعد يحتمل الانتظار لتحقيقه».
بعد وفاة الباحثة وطفى حمادة، اجتمعت الخالدي مع المؤسسين الآخرين من أجل تحقيق مشروع «فضاء». تلفت الخالدي إلى التفاوت في السن بين الأعضاء المؤسسين، إذ «تراوح سنّ المؤسسين بين أواخر العشرين إلى منتصف الستّين. هذا التفاوت العُمري سيسهم في الحصول على تجارب وذاكرات مختلفة». وفي ظل غياب أي نوع من الدعم من أي جهة، رسميّة أو حكوميّة، تؤكد الخالدي: «نحن نعمل بمجهود فردي، لكي نضع كلّ أمنياتنا في مكان، نحافظ من خلاله على ذاكرتنا، وتاريخنا وتراثنا».
جمعيّة تُعنى بأرشفة الوثائق والكتب والنصوص المتعلقة بالمسرح


«إنّها أرشفة جزء من التاريخ، التراث، والذاكرة». هكذا تعلّق المخرجة والممثلة المسرحيّة لينا أبيض، على المشروع الوليد، مشيرة إلى أنّه «عندما أردت العمل على أطروحة الدكتوراه في فرنسا، كنت أرغب في تناول تاريخ المسرح اللبناني، ولكن لم أكن أعلم لمَن ألجأ لمساعدتي بهدف الحصول على أرشيفات تتعلق بالمسرح اللبناني، ما اضطرّني إلى تناول المسرح الفرنسي عوضاً عن مسرح بلدي. هذا أهم ما سيوفره الأرشيف الذي نعمل على تجميعه، أي مساعدة الباحثين وتقديم فضاء واسع من الوثائق والمستندات والصور، التي تؤرخ المسرح اللبناني والعربي». تستدرك أبيض قائلةً بأنّ أهميّة الأرشفة لا تقتصر فقط على مساعدة الباحثين، فـ «من المهم أن نعلم كيف نشأ المسرح اللبناني، وأهمّ مخرجيه وكتّابه وتوفير فرصة الاطلاع على نصوصهم. ومن الرائع أن نعيد إخراج تلك النصوص بصورة حديثة، أو على الأقل أن نبني عليها ونستلهم منها. كما أنّه من المهم أن نُطلع الأجيال الصاعدة على أرشيف المسرح وتاريخه».
يوجز عبد الرحيم العوجي لنا الخطّة التي ستعتمدها الجمعيّة: «تتوجه الأرشفة عادةً إلى الباحثين أو الطلاب، لكن ما نطمح إليه ليس مجرد أرشفة ذاكرة المسرح اللبناني والعربي، بل إحياء تلك الذكرى. لذا في المرحلة الأولى، سيكون علينا جمع ما نستطيعه من نصوص منشورة وغير منشورة، وفيديوات ومقابلات إعلامية وأي مقتنيات مرتبطة بالعروض المسرحيّة. أمّا في المرحلة الثانية، فسنقوم بتنظيم معارض أو قراءات مسرحيّة أو عروض صغيرة لإحياء هذه الذكريات التي جمعناها كي يراها الجميع، وليس فقط المهتمون بالمسرح من باب الدراسة أو البحث. إنّها عملية صعبة ومعقدة، لكن على أحد القيام بها».