لا يزال «مسرح شغل بيت»، يأخذ على عاتقه، مهمة إنتاج نصوص مسرحية لبنانية، تكون بطلاتها ممثلات نساء في أغلب الأحيان. هذه المرة، يقدم الممثلة المسرحية والأكاديمية ماريا الدويهي في مونودراما «آخر بروفا» (كتابة وتمثيل ماريا الدويهي ـــ إخراج شادي الهبر). يحاكي العمل حياة ممثلة تقف وحيدة على خشبة المسرح، هرباً من مآسيها العاطفية، تتقمّص وتحاكي شخصيات عديدة، تستخدم أزياءها لترتجل «بروفا» أخيرة تعيد من خلالها، إحياء مشاعرها الدفينة، ورغباتها الداخلية. يسائل العرض دور المسرح، والممثلات في العالم العربي، ويعرض الصراعات القائمة حول القيمة الإنسانية للممثل المسرحي. لذا، يتمحور حول شخصيتين أساسيتين، هما الممثلة الحاضرة على الخشبة، وشخصية الرجل التي تتخيّلها. تتشعب الشخصية، وتتبدل بين حياتها الأساسية، وبين الشخصيات التي تجسّدها في إطار تحضيرها للبروفة الأخيرة. الشخصية لا تلبث أن تخلق، وتتوهم، وتعيش أحداثاً، تلو أخرى، للهروب من حالة الوحدة والعزلة التي تعانيها. إلى جانب الوحدة الإنسانية التي يقدمها العرض، تعبّر شخصية المرأة في «آخر بروفا» عن الممثلات اللواتي رهنَّ أنفسهنّ، للعمل المهني والمسرحي، ليجدن أنفسهنّ في النهاية، في دوامة من الروتين غير المجدي والوحدة القاتلة. أمّا شخصية الرجل، فهي إسقاط لرغبات الممثلة اللاواعية، وما يدور في
مخيلتها.
يأتي ذلك في قالب مسرحي يعتمد تقنية «المسرح داخل المسرح» وفق ما يقول لنا المخرج شادي الهبر، الذي انطلق من تأثير الوحدة، التي تعانيها ممثلات المسرح عليهن. يذكرنا بممثلات، مررن بتاريخ الفن المسرحي في لبنان والعالم العربي، وكانت لهن محطات مشعة، كرينيه ديك، وهند أبي اللمع ، ونهاد الخطيب... كل ذلك يُطرح بطريقة غير مباشرة، ليجسد الصراعات النفسية التي عاشتها أو قد تعيشها الممثلات، في فضائنا العام.
كتبت ماريا الدويهي النص خلال جائحة كورونا، «أي الفترة التي تغيّر فيها الروتين الذي كنا معتادين عليه» وفق ما تقول لنا، حين «أصبحنا أمام تحدٍّ ومواجهة للذات». لا يرتبط النص بحدث أو حالة معينة، وإنّما يمكن اعتباره تجسيداً لحالة إنسانية، تقود نفسها مرغمة إلى الوحدة، وتحاول خلق أمل من جديد رغم عبثية الحياة التي تعيشها.
كوميديا سوداء تعتمد على المزج بين الجدية والسخرية


من ناحيته، يشير شادي الهبر إلى أن «آخر بروفا» يطرح قضايا اجتماعية وإنسانية، لمعالجتها بطرق فردية، وللتأكيد أيضاً على أهمية «التركة»، أي ما يخلّفه الإنسان، والتأثير في عقل المتفرج. وعليه، حاول المخرج تصوير وتجسيد الوحدة بطرق شتّى، وتحديداً للأشخاص الذين يعيشون تحت الأضواء، ويبقون في النهاية في عزلة مع أنفسهم. يمكن توصيف «آخر بروفا» بأنّها كوميديا سوداء، تعتمد على المزج بين الجدية والسخرية. اعتمد صنّاع العمل على المبالغة في الأداء، لتصوير هذه التعددية بطريقة ذكية وواضحة. إيقاع العرض سريع، يعتمد على النقلات الجذرية من حالة إلى حالة أخرى، ومن شخصية إلى أخرى.

* «آخر بروفا»: س: 17:00 مساءً حتى 22 كانون الثاني (يناير) ــــ «مسرح مونو». تُباع البطاقات في مكتبة أنطوان، أو عبر «أنطوان أونلاين».