كثيراً ما تخرج إلى العلن أنباء عن اعتداءات يقوم بها أشخاص عاديون على سياسيين. اعتداءات أكبر من الاحتجاج وأقلّ من محاولات الاغتيال. أسبابها تراوح بين الاثنين، وتخرج عنهما لمعطيات مختلفة، قد تكون نفسيّة. الاعتداء الذي تعرض له البابا بنديكتوس السادس عشر عشية عيد الميلاد في الفاتيكان ليس الأول هذا العام، ولن يكون الأخير
ديما شريف
لم يكن أحد يتوقع ما حصل. عشية عيد الميلاد كان البابا بنديكتوس السادس عشر يتقدم في الكنيسة متوجهاً نحو المذبح، وإذا بشخص يلبس قميصاً أحمر يقفز فوق الحاجز الذي يفصل الناس عن البابا ويتوجه نحوه، يجرّه بيديه ويوقعه مع كاردينال آخر أرضاً. هرع الحراس الشخصيّون واستطاعوا عزل المعتدي. تبيّن لاحقاً أنّه امرأة تدعى سوزانا مايولو، وهي سبق لها أن حاولت الاعتداء على البابا في عام 2008، وتعاني على ما يبدو بعض المشاكل العقليّة. لم يعانِ البابا من شيء، فوقف وتابع مشيته وألقى عظته لذلك اليوم. لكنّ أحد الكرادلة الفرنسيين، روجيه أتشيغيري، أصيب بكسر في رجله.
وفي 13 الشهر الماضي أيضاً، رمى الشاب ماسيمو تارتاليا رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلوسكوني بتمثال صغير لكاتدرائية ميلانو، ما أدّى إلى مكوثه ثلاثة أيام في المستشفى. اعتذر تارتاليا لاحقاً عما فعله وتبيّن أنّه يعاني متاعب نفسية. وفي أثناء مكوثه في المستشفى، قبض حراس برلوسكوني على شاب حاول اقتحام غرفته ولم يجدوا معه أي أسلحة، لكن كان معه في سيارته عصا بايسبول وعدد من السكاكين. وتبيّن أنّ هذا الشاب يعاني أيضاً اضطرابات عقلية.
حادثتان في الشهر نفسه على يدي شخصين يعانيان مشاكل نفسية، لكنّهما ليستا الأبرز في سجل الحوادث المماثلة. إذ ما يميّز هاتين الحادثتين أنّهما سلميّتان إلى حدّ ما. فالتاريخ يشهد على حوادث دموية كثيرة قام بها أشخاص يعانون «متاعب نفسية».
أبرز هذه الحوادث حصل في 30 آذار 1980. يومها توجه جون هينكلي جونيور إلى فندق هيلتون في واشنطن، حيث كان الرئيس الأميركي آنذاك رونالد ريغان يلقي خطاباً. بعد انتهاء الخطاب، وفيما كان ريغان يهمّ بدخول سيارته، أطلق هينكلي على الرئيس ست رصاصات. أصابت واحدة منها وزير الإعلام جايمس برايدي، وأخرى ضابط الشرطة توماس ديلاهايني وثالثة عضو الاستخبارات تيموثي مكارثي. اثنتان أصابتا السيارة، فيما ارتدّت الثالثة عن باب السيارة ومرّت تحت كتف ريغان اليسرى وأصابته. السبب الذي دفع هينكلي إلى ذلك هو حبّه الكبير للممثلة جودي فوستر. شاهد هينكلي فيلم «سائق التاكسي» 15 مرة وأغرم ببطلته فوستر وحاول الاتصال بها، لكنّها صدّته، فقرر اغتيال الرئيس في اليوم الذي توزع فيه جوائز الأوسكار لمعاقبتها. هينكلي اعتبر في 2007 أنّ ما فعله أكبر تضحية في الحب وفي التاريخ. والمضحك في الموضوع أنّ ريغان سأل الجرّاح الذي يعالجه في المستشفى إذا كان جمهورياً أو لا.
في كندا، جارة أميركا، في 1995، وتحديداً في 5 تشرين الثاني، اقتحم أندريه دالير منزل رئيس الوزراء الكندي جان كريتيان مسلّحاً بسكين. وعندما اكتشفت زوجة كريتيان وجوده في المنزل أقفلت باب غرفة النوم عليها وزوجها وانتظرا قدوم الشرطة المكلفة حمايتهما. وقال دالير إنّه سمع في رأسه أصواتاً طلبت منه اقتحام المنزل.
أما ماكسيم برونوري، الذي حاول قتل جاك شيراك، فقصّته قريبة من قصة هينكلي. خلال احتفالات عيد الاستقلال في 14 تموز 2002، خبأ ماكسيم بندقيته في علبة غيتار وأطلق طلقتين حين مرّ الرئيس قرب المكان الذي وقف فيه. لكنّه لم يتمكن من متابعة مهمته، إذ هجم عليه المواطنون الواقفون قربه وكذلك الشرطة. لم تصب الطلقتان شيراك بسبب عدم الاستعداد الكافي لماكسيم، الذي تبيّن أنّه عضو في جبهة الوحدة الراديكالية (unite radical)، وهو تجمع يميني متطرف تمّ حلّه بعد محاولة الاغتيال. وكان من مرشحي الحركة الوطنية الجمهورية إلى الانتخابات المحلية وقريباً من الحزب القومي الفرنسي. لم يكن ماكسيم مدفوعاً من أحد في محاولته هذه، بل كان يرغب في أن يشتهر أو أن تقتله الشرطة مباشرة على التلفاز أو ينتحر بعد قتل شيراك كي يصبح مشهوراً. وخلال محاكمته، قال إنّ زعيم حزب «الجبهة الوطنية»، جان ماري لوبين، كان سيكون هدفاً أفضل من شيراك.
لكن الاعتداءات على السياسيين والشخصيات المشهورة لم تكن محصورة بأشخاص يعانون اضطرابات نفسية، إذ في أحيان أخرى كان الدافع سياسياً وتصرّف المعتدين عن سابق إصرار وتصميم وبكل وعي. من هذه الحوادث مثلاً، محاولة اغتيال البابا يوحنا بولس الثاني في 13 أيار 1981 في الفاتيكان. كان البابا يستعد لإلقاء خطاب في ساحة بطرس حين أطلق عليه التركي محمد علي أقجا النار وأصابه في بطنه. كاد البابا أن يموت بعد فقدانه الكثير من الدماء، وبقي في غرفة العمليات خمس ساعات. وقال آنذاك أقجا إنّه حاول قتل البابا لأنّه الرمز الأول للرأسمالية، وأعفي عنه في عام 2000 بعد تدخل من البابا نفسه، وأعيد إلى تركيا حيث يقبع في السجن لجرائم أخرى. وزار البابا أقجا في سجنه في 1983 وتحدث معه عشرين دقيقة.
وفي السياق، تعرض رئيسا وزراء بريطانيان لمحاولة اغتيال من الجيش الجمهوري الإيرلندي. إذ فجر الجيش قنبلة في 1984 في الفندق الذي كان يعقد فيه مؤتمر المحافظين في برايتون وتحضره مارغريت ثاتشر التي لم تصب بأذى. وعاد هؤلاء وهجموا بقذائف الهاون على مقر رئاسة الوزراء البريطانية في 10 داونينغ ستريت في 1991 ولم يصب رئيس الوزراء آنذاك جون مايجور بأي جروح.
ومن المحاولات الغريبة التي لم تتضح تفاصيلها، تعرض الرئيس التايواني السابق تشين شو بيان إلى إطلاق نار عشية إعادة انتخابه في 2004. كان الرئيس في عربة مفتوحة مع نائبته يجولان في إحدى المدن، ولم يعرف أنّه تعرض لإطلاق النار إلا عندما بدأت الدماء تسيل على قميصه. وانتخب الرئيس في اليوم التالي بفارق بسيط عن منافسه المعارض لين تشان. واتهمته المعارضة آنذاك بتدبير العملية لتجنب الخسارة. كما قيل إنّ أصحاب مكاتب المراهنة حاولوا ذلك كي لا يخسروا، بعدما كانت الأرقام تشير إلى فوز المعارض لين. وقال المحللون إن أصوات التعاطف مكّنت تشين من الربح.
في العام نفسه، تعرض الرئيس الأوكراني الحالي فيكتور يوتشينكو لاعتداء غريب من نوعه نسب إلى روسيا، التي كان يوتشينكو آنذاك يتزعم المعارضة الأوكرانية ضدها. مرض يوتشينكو في أيلول 2004 فسافر إلى فيينا للعلاج. اكتشف هناك أنه تعرض للتسمم بواسطة مادة الديوكسين التي وجدت في دمه بمعدل أعلى بـ 1000 مرة من المستوى الطبيعي. اتهمت روسيا بالقيام بذلك لإبعاده عن طريق مرشحها للرئاسة فيكتور يانوكوفيتش. لكن لم يوافق جميع الأطباء المعالجين على فرضية التسمم. وفي 2008، قال أحد مساعدي يوتشينكو السابقين إنّه لم يتعرض للتسمم وإنّه زوّر تحاليل المختبر. وفي أيلول الماضي، توصل تقرير أجرته لجنة مستقلة إلى أنّ التسمم كان كاذباً لتعزيز حظوظ يوتشينكو بربح الانتخابات. لكنّ شكل يوتشينكو تغيّر بعد 2004، فأصبح وجهه مليئاً بالبثور وبان عليه المرض. ويدّعي الرئيس أنّه تسمّم خلال عشاء مع مسؤولي الاستخبارات الأوكرانية في 5 أيلول 2004.

جون هينكلي حاول اغتيال ريغان انتقاماً من جودي فوستر

يوتشينكو زوّر التحاليل الطبيّة عن تعرّضه للتسمّم
وتعرّض زميل يوتشينكو في الثورات الملوّنة، الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي لمحاولة اغتيال حين كان يرافقه نظيره الأميركي جورج دبليو بوش في مؤتمر صحافي عام 2005. إذ انتظر فلاديمير ارتوريان الاثنين طيلة اليوم في الشمس الحارقة ليقيما مؤتمراً صحافياً أمام الناس في تبليسي. وعندما بدأ المؤتمر، قذف قنبلة يدوية على المنصة فوقعت على بعد 18 متراً منها ولم تنفجر. ولم يفصح أرتوريان عن سبب رغبته في قتل الرئيسين.
وفي بداية العام الجاري، حاول شخص يدعى كارست تايتس صدم الحافلة التي كانت تستقلّها الملكة بياتريس الهولندية مع أفراد من عائلتها في استعراض شعبي، بواسطة سيارة، ما أدّى إلى ثمانية قتلى إضافة إلى المعتدي و10 جرحى، ولم تستطع السيارة الوصول إلى المركبة التي تقلّ العائلة المالكة.
ولحركة القاعدة حصتها من المحاولات، إذ قال المتهم بالتخطيط لاعتداءات 11 أيلول 2001 خالد الشيخ محمد خلال التحقيق معه إنّه خطط لاغتيال عدد كبير من الشخصيات. من هؤلاء الرئيسان الأميركيان الأسبقان جيمي كارتر وبيل كلينتون خلال زيارة الأخير إلى الفيليبين في منتصف التسعينيات. كذلك اعترف بالاشتراك في التخطيط لاغتيال البابا يوحنا بولس الثاني والرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف.
يبدو إذاً أنّ الاعتداءات على الساسة حالة عامة لا تميز بين نوعية الأنظمة. كذلك يبدو أنّه إلى جانب السياسيين الذين يعزّزون أمنهم لتجنب مواقف مماثلة، نجد شريحة، تتمنى ولو بالسر، التعرض لمحاولات اعتداء أو اغتيال طمعاً بزيادة شعبيتها. وبرلوسكوني نموذج ساطع على هذه الفئة، إذ ارتفعت شعبيته ارتفاعاً كبيراً بعد ما تعرض له.


العالم العربي: الملك حسين أولاً

إلى جانب الغرب، حيث يعبر بعض المواطنين عن غضبهم من سياسات ممثليهم التي لا تعجبهم، لا يخلو العالم العربي من محاولات اغتيال واعتداءات من قبل سياسيين منافسين أو مواطنين غاضبين. أبرز مثال على ذلك الصحافي العراقي منتظر الزيدي الذي رشق الرئيس الأميركي جورج بوش بحذائه العام الماضي. كذلك اتهم صدام حسين بتدبير محاولة لاغتيال الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب في أثناء زيارة الأخير الكويت.
ومن أشهر الاعتداءات عربياً، المحاولات العديدة لاغتيال الملك الأردني السابق حسين. كانت أولاها عند اغتيال جده الملك عبد الله، إذ أطلقت النار عليه أيضاً لكن لم يصب. وتعرض خلال فترة حكمه الطويلة لمحاولات شتى لم تنته في 1984 حين اتهم النظام الليبي بالتخطيط للتخلص منه.