strong>مثلما هي حال المهمّشين والمظلومين في مناطق النكبات حول العالم، يسيطر «وضع كئيب» اقتصادياً واجتماعياً في الأراضي العربيّة المحتلّة. فإلى جانب العدوان المستمرّ بكل المعايير، هناك المعاناة اليوميّة المتعلّقة بمتطلّبات العيش. معاناة تعرضها منظّمة العمل الدوليّة في تقرير أعدّته لجنة زارت المناطق المنكوبة إنسانياً
«الوضع كئيب في الأراضي العربية المحتلة على المستوى الإنساني والاقتصادي والاجتماعي، في ظل مفاوضات السلام المتعطلة». بهذه العبارة يصف التقرير السنوي الصادر عن مكتب العمل الدولي وضع عمال الأراضي العربية المحتلّة. استنتاجات التقرير حدّدتها البعثة التي أوفدت خلال العام الجاري إلى الأراضي العربية المحتلة في فلسطين وسوريا من أجل تقويم وضع العمال في الأراضي المحتلة، بما فيها الضفة الغربية وغزة والجولان. وقامت البعثة أيضاً بزيارة منظمة العمل العربية وجامعة الدول العربيّة.
وبدءاً بغزّة حيث ينطوي الوضع «على كلّ عناصر الكارثة الإنسانيّة، فالسكان معزولون تماماً عن بقية العالم، وهم يعتمدون في عيشهم على المساعدة الدولية. ومع إغلاق آلاف المصانع وفقدان الناس وظائفهم، توقف الاقتصاد الحديث لتحل محله الأنشطة المؤقتة غير المنظمة واقتصاد الإنفاق».
ورغم الهدوء النسبي الذي تشهده الضفّة الغربيّة، فإنّ مسار التراجع في متوسط الدخل لا يمكن عكسه، ويستمرّ الوضع المزري للعمالة. «فتدابير الإغلاق والجدار الفاصل والنشاط الاستيطاني المكثف أفشلت أيّة بوادر تقدم اقتصادي قد ينبثق».
من جهة أخرى، فإنّ المواطنين السوريّين الذين يعيشون في الجولان المحتل «يواجهون عوائق خطيرة في سعيهم إلى كسب رزقهم ومزاولة أعمالهم»، ويجدون أنفسهم خاضعين لتدابير «صارمة» تقيّد وصولهم إلى المياه.
ويصوّر التقرير قلق البعثة من واقع أن أكثر من 50 في المئة من الأشخاص في المجموعة العمرية بين 15 عاماً و29 عاماً لا يتعلمون ولا يعملون. وذلك لا يمثّل «هدراً في الموارد البشرية الثمينة فحسب. بل هو مزيج خطير» نظراً إلى هشاشة وضع سكّان الأراضي المحتلة أساساً.
وبالنسبة إلى الفلسطينيّين، يتعذّر على الاقتصاد وسوق العمل التقدم في ظل الاحتلال. فمعدل النمو المتواضع الذي سجله الناتج المحلي الإجمالي في عام 2008 مقارنة مع العام السابق لم يترجم إلى نمو في الدخل بسبب التزايد السكاني. وبقي الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للفرد الواحد قرابة 28 في المئة دون ذروته في عام 1999.
وبحسب التقرير «يترافق استمرار البطالة المرتفعة والعمالة المنخفضة الإنتاجية مع الفقر الدائم والمذل»، كما تؤدّي «سبل العيش المدمّرة والآفاق المستقبلية الغامضة إلى شعور باليأس والإحباط يصيب عدداً بالغاً من الفلسطينيين». والأوضاع الصعبة تتجلّى «زيادة حادة في البطالة في غزة»، حيث ارتفعت من حوالى 29 في المئة إلى 44.8 في المئة على أساس سنوي، ومن المتوقع أن تكون هذه الأرقام قد ارتفعت أكثر عقب الاجتياح العسكري لغزة في كانون الثاني الماضي.
وعن الآفاق يتحدّث التقرير عن 5 إمكانات للتغيير الإيجابي وهي: 1 ـــــ رفع الحصار المفروض على غزة. 2 ـــــ تنفيذ اتفاق عام 2005 بشأن التنقل والعبور في الضفة الغربية وقطاع غزة. 3 ـــــ تحرير الشركات الخاصة والعمال من القيود المفروضة على التنقل وعلى سبل الحصول على الموارد. 4 ـــــ تحويل المصالحة بين الفلسطينيين إلى نتائج ملموسة ومواصلة الإصلاح الإداري من قبل السلطة الفلسطينية. 5 ـــــ تطوير ما تتضمّنه المساعدة الدولية لدعم خلق فرص عمل إلى الحد الأقصى.
وقد شهدت البعثة توسعاً لبرنامج التعاون التقني لمنظمة العمل الدولية في الأراضي العربية المحتلة، الذي يهدف إلى تعزيز إدارة سوق العمل والحقوق، وتحسين قابلية الاستخدام من خلال تطوير المهارات والتنمية الاقتصادية المحلية، وتشجيع كثافة المشاريع الريادية وتحسين الإنتاجية من أجل نمو القطاع الخاص.
وحسب ما ورد في التقرير، أُحرز تقدم مهم في إدماج المساعدة التقنيّة لمنظمة العمل الدولية في برمجة وتخطيط فريق الأمم المتحدة العامل في فلسطين. وقد شاركت منظمة العمل في أنشطة متعلقة بتمكين المرأة اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي الخطة الفلسطينية للإنعاش المبكر وإعادة الأعمار في غزة للفترة بين عامي 2009 و2010 وفي برنامج التشغيل الفلسطيني.
كذلك سلّطت البعثة الضوء على دور الشركاء الاجتماعيّين، وعلى الدعم الذي يحتاجون إليه والذي يمكنهم أن يتوقّعوه من منظمة العمل الدولية. وتعتبر مساهمة هؤلاء الشركاء في إنعاش المؤسسات وأماكن العمل المتضررة مساهمة أساسية مهما كانت الظروف.
وأخيراً، أشار التقرير إلى أنّه ينبغي على المجتمع الدولي أن يعزز التزامه للتغلب على «سلسلة الحرمان الأزلية» التي يعاني منها فلسطينيّو الأراضي العربية المحتلة، «والسماح لهم بممارسة حقهم المشروع في إقامة دولة لهم، والعيش بكرامة وسلام مع جيرانهم كافة».
(الأخبار)


استيطان مدمّر

لحظت بعثة منظّمة العمل الدوليّة في تقريرها توسّعاً مستمراً للمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية. وقالت إنّ «وجود أعداد متزايدة من المستوطنين الإسرائيليّين يلحق أضراراً مباشرة بسبل عيش الفلسطينيّين الذين يجدون أنفسهم محرومين من الوصول إلى الأراضي والموارد الأخرى»، ولا سيما المياه، «ومن بناء المنازل والبنية التحتيّة الاقتصادية، كما أنّه يفرض قيوداً صارمة على حركة تنقّل الأشخاص والبضائع». ويتعرّض السكّان العرب في القدس الشرقية إلى المزيد من الضغوط على القرى والمساكن والحقوق في الإقامة.