strong>هل حان وقت تطبيق «استراتيجيّات النهوض» في البلدان الصناعيّة؟ بحسب وزراء مال مجموعة الثماني «G8» الذين اجتمعوا في روما في نهاية الأسبوع الماضي، فإنّ «إشارات الاستقرار بدأت تظهر في اقتصاداتنا» والأسوأ من الأزمة الماليّة ــ الاقتصاديّة قد مرّ، والتحدّي الحالي هو كيفيّة مواجهة الضغوط التضخّمية التي قد تصبح عمليّة شاقّة إذا لم تُحدَّد الأولويّات
بعد نحو تسعة أشهر من انهيار المصرف الأميركي «Lehman Brothers» واندلاع أزمة ماليّة مسّت جميع البورصات في أنحاء العالم، وفي ظلّ استمرار موجة الركود التي تعدّ الأكثر ضراوة على العالم الرأسماليّ منذ نهاية الحرب العالميّة الثانية، يبدو أنّ بذور الانتعاش بدأت تظهر، وتحديداً في مراكز العولمة: البلدان الصناعيّة الثريّة. فوزراء المال من مجموعة الدول الصناعيّة الثماني، «G8»، الذين اجتمعوا في نهاية الأسبوع الماضي في ليتشي الإيطاليّة رأوا أنّ في المرحلة الحاليّة «بدأت تظهر مؤشّرات استقرار في اقتصاداتنا، وضمن ذلك تعافي الأسواق الماليّة وانتشار التراجع في معدّلات الفائدة وتحسّن في ثقة المستهلكين والمستثمرين».
غير أنّ الوزراء حذّروا في بيانهم الختامي من أنّ «الوضع يبقى غير مؤكّد، كذلك فإنّ مخاطر جديّة تبقى تتربّص بالاستقرار الاقتصادي والمالي». وهذا التحذير أضحى تقليدياً في جميع التقويمات التي تقدّمها المؤسّسات الرسميّة الوطنيّة أو تلك العالميّة مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
وفي هذا السياق، نقلت صحيفة «Financial Times» عن مصادر رسميّة أنّ عبارة «مخاطر جديّة» لم تكن موجودة في المسوّدة الأساسيّة للبيان النهائي، إلّا أنّ بريطانيا أصرّت على إدراجها.
كذلك مُحيت عبارة «أرقام مشجّعة في قطاع التصنيع» التي كانت موجودة في المسوّدة بعدما أظهرت البيانات الصادرة من منطقة اليورو أنّ الناتج الصناعي تراجع بنسبة كبيرة كبيرة 21 في المئة في نيسان الماضي على أساس سنوي.
وعلى أي حال، فإنّ أجواء الاستقرار بدأت منذ فترة تسيطر على الاقتصادات الصناعيّة التي يمثّل ناتجها المحلّي الإجمالي نحو 50 في المئة من الناتج الكوني الذي يبلغ 60 تريليون دولار. ويتوقّع بعض المراقبين أن يبدأ الانتعاش في بعض تلك الاقتصادات في النصف الثاني من العام الجاري ربّما من خلال تسجيل معدّلات نموّ إيجابيّة.
فصندوق النقد الدولي الذي عدّل توقّعاته للنموّ العالمي الأسبوع الماضي، قال إنّ نسبة التقلّص الاقتصادي ستبقى كما أدرجت في تقرير «آفاق الاقتصادي العالمي»، أي انكماش بنسبة 1.3 في المئة، غير أنّ آفاق العام المقبل أصبحت أكثر إشراقاً مع توقّع نموّ بنسبة 2.4 في المئة عوضاً عن نسبة 1.9 في المئة التي كانت متوقّعة سابقاً. ما يعني أنّ محفّزات النموّ المستقبلي ستكون قد تهيّأت بزخم أكبر خلال العام الجاري.
وتطرّق الوزراء للمرّة الأولى مجتمعين إلى مستويات الاستدانة غير المحمولة والعجز في الموازنات وانعكاسه على سندات الخزانة الأميركيّة. وقالوا في بيانهم الختامي: «ناقشنا الحاجة إلى تجهيز استراتيجيّات ملائمة لوقف سياسة الإجراءات الطارئة التي اعتمدت لمواجة الأزمة... واستراتيجيّات الخروج هذه قد تتغيّر من بلد إلى آخر وهي ضروريّة لضمان تعافٍ مستدام لوقت طويل».
وتضمّ مجموعة الثماني بريطانيا والولايات المتّحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وكندا وروسيا واليابان. وفي خضمّ مواجهة الركود والانهيارات الماليّة ظهر تباين ضخم بين بعض تلك البلدان وبما هو أدقّ بين ضفّتي الأطلسي، في أولويّات المواجهة. ففيما رأت واشنطن أنّ خطط التحفيز الاقتصادي هي الأساس للخروج من المعمعة التي خلقتها الأزمة الماليّة، شدّدت فرنسا وألمانيا على أنّ رفع مستوى القوننة في الأسواق الماليّة هو الإجراء الأساسي.
وفي اجتماع ليتشي أوّل من أمس، كان وزير المال الألماني، بيتر شتاينبرك الأكثر تشدّداً في ما يتعلّق بضرورة مواجهة الضغوط التضخّميّة، وتحدّث زملاؤه عن ارتفاع الأسعار في أسواق السلع وخصوصاً في سوق النفط الذي شهد انتعاشاً لافتاً خلال الفترة الأخيرة، حيث سجّل السعر أعلى مستوى في ثمانية أشهر عندما تجاوز حاجز 71 دولاراً للبرميل.
والتحذيرات تزداد من جانب المنظّمات الدوليّة في شأن أسعار المواد الغذائيّة، وآخرها كان حديث الأمم المتّحدة عن إمكان حدوث أزمة أسعار جديدة في أسواق المواد الغذائيّة العام المقبل، لأنّ القيّمين على النظام العالمي، وعلى رأسهم زعماء بلدان مجموعة الثماني، لم يتخذوا إجراءات جذريّة لمعالجة أسباب الأزمة.
وفي هذا السياق، حذّر وزير المال الإيطالي المضيف، جيوليو تريمونتي، من إمكان أن تتحوّل السيولة الإضافيّة إلى «تغذية المضاربات» عوضاً عن «دعم الاقتصاد الحقيقي». وبالفعل فإنّ الفترة التي سبقت انفجار الأزمة كانت مرحلة هوس في أسواق السلع مع ارتفاع حدّة المضاربات، وهذا الارتفاع كان أحد عوامل الاحتقان داخل النظام الذي وصل إلى نهاية دورة عبر المرور في أزمة يقول روّاد العالم إنّ نهايتها قد بدأت.
(الأخبار)


حذر... وتفاؤل

لا يزال وزير الخزانة الأميركي، تيموثي غايثنر، حذراً، فهو قال في ختام الاجتماع في ليتشي: «لا أعتقد أنّنا وصلنا بعد إلى تلك النقطة حيث يمكننا القول إنّ التعافي قد بدأ»، مشيراً إلى أنّ السياسات التي اعتمدت خفضت من مستوى القلق من الركود والمخاطر النظميّة في الأسواق الماليّة. وشدّد غايثنر على أنّ «من المبكر الانتقال إلى التراجع» عن السياسات الطارئة، ورؤيته تأتي معاكسة لجوّ التفاؤل العام. فالإيجابيّة كانت طاغية على الاجتماع بمستوى أرفع من ذلك المسجّل في قمّة مجموعة العشرين التي استضافتها لندن في نيسان الماضي.