مثلما أدّت الأزمة الماليّة إلى الحديث عن تغييرات جذريّة في نظام الرقابة الماليّة، تدفع بعض الشركات الرائدة إلى تغيير نماذج أعمالها. فموجة تراجع الأعمال التي نشأت من الأزمة كانت «مفاجئة» ولم يتوقّعها أكثر المديرين التنفيذيّين حنكةً والآن تصارع الشركات في جميع أنحاء العالم لتجنّب سيناريوهات الإفلاس وإعادة هيكلة الأعمال، بحسب «Ernest & Young»
أظهرت دراسة إحصائيّة أجرتها شركة الاستشارات الماليّة «Ernest & Young» شملت مديرين تنفيذيّين من 570 شركة عالمية رائدة، مدى التأثير الكبير الذي تشهده تلك الشركات في ظل الركود العالمي. فقد رأى 43 في المئة ممن شملهم الاستطلاع أن «نموذج العمل» قد تغيّر دائماً جرّاء التطوّرات الماليّة ـــــ الاقتصاديّة التي حدثت في الأشهر الـ18 الماضية، فيما رأى 45 في المئة من المستطلعة آراؤهم أنّ تأثير الأزمة كان مؤقتاً، وقال 56 في المئة من المديرين إنّ عمليّات إدارة المخاطر لديهم قد تغيّرت بصورة دائمة، بينما رأى 33 في المئة منهم أن التغير كان مؤقتاً. وبالنسبة إلى 45 في المئة منهم، شهد الإطار التنظيمي لقطاع الأعمال تغيراً جوهرياً كذلك.
وكان تذبذب الأسعار والربحية وعدم استقرار التنافسية والاستقرار الاقتصادي من بين التغييرات الأخرى التي طرأت على نماذج الأعمال، حيث عدّتها الشركات «تغيرات مؤقتة»، رغم وجود أقلية، تزيد على 20 في المئة في كل حالة، عدّت تلك التغييرات دائمة.
وفي السياق، لفت نائب الرئيس العالمي للأسواق لدى «Ernest & Young»، جون مورفي، إلى أنّ البحث «لا يظهر الأثر الدائم للتغير الذي طرأ في الأشهر الاثني عشر الماضية فحسب، بل يدلّ أيضاً على مدى سرعة هذا التغير، الذي لم يتوقعه سوى عدد قليل جداً» من المديرين، موضحاً أنّ 75 في المئة من هولاء المديرين فوجئوا «بشدة الهبوط الناتج من الأزمة وسرعته».
وتجدر الإشارة إلى أنّ المؤسّسة الماليّة أجرت قبل 5 أشهر دراسة مماثلة، والشركات التي شملها الاستطلاع آنذاك إضافة إلى آلاف الشركات التي نوقشت معها هذه القضيّة تشهد منافسة كبيرة على الأسعار. بينما لا تزال الشركات في جميع أنحاء العالم تشهد الكثير من حالات الإفلاس والانسحاب في قطاعاتها. ومع ذلك، طرأت أيضاً زيادة في أعداد المؤسسات التي أبلغت عن دخول مشاركين جدد.
وعموماً ترى «Ernest & Young» أنّ الوضع لم يتحسّن بعد. فرغم إعلان 64 في المئة من المديرين التنفيذيين خفض الأكلاف، فإنّ 31 في المئة فقط حسّنوا الإيرادات.
وأعرب أكثر من ثلث المديرين المستطلعة آراؤهم عن اقتناعهم بأنّ البيئة كانت أكثر إيجابيّة من حيث إجراء عمليات استحواذ استراتيجية، إلّا أنّ غالبيّة المسؤولين التنفيذيّين شهدت تدهوراً في الإيرادات بنسبة وصلت إلى 58 في المئة، وفي الأرباح بنسبة بلغت 56 في المئة، فيما لم يشهد سوى 20 في المئة فقط تحسناً في ثقة المستثمرين، كما أكد عدد قليل مماثل عدم حدوث أي تحسن أبداً في الحصول على رأس المال أو الائتمان.
وعن «الضغوط» التي تتعرّض لها الشركات، لفت مورفي إلى أنّ نسبة ضئيلة من الشركات شهدت تحسّناً في أعمالها خلال الأشهر الاثني عشر الماضية، وفي العام المقبل «ستمثّل قدرة الشركات على العمل بشكل سريع وحاسم أكبر التحديات».
وفي الدراسة السابقة، تحدّث 86 في المئة من المديرين عن قيامهم بتسريع برامج خفض الأكلاف، حيث قام 52 في المئة منهم بتسريع عمليات إعادة الهيكلة، كما شرع 38 في المئة بتنفيذ برنامج خفض أعداد الموظفين. ولدى سؤالهم عن الأولويات الرئيسية لشركاتهم على المدى القريب، كان الردّ بأنها التركيز المتزايد على الربحية (73 في المئة)، واستراتيجية التسعير (55 في المئة)، والعلاقة مع الزبائن (52 في المئة). وعلى الصعيد الداخلي، لم تكن مستغربةً زيادة الاستثمار في إدارة المخاطر بنسبة 38 في المئة.
وعموماً لا تزال الشركات تعبّر عن دهشتها من سرعة التدهورات الناتجة من الأزمة، فقد كانت تأثيراتها أقسى وأعمق مما كان متوقعاً. وينطبق ذلك على منطقة الشرق الأوسط، التي تمكّنت في بادئ الأمر من امتصاص صدمة التباطؤ الاقتصادي العالمي، ولكن مع تعاقب تأثيرات الأزمة، جاءت النكسات متتابعة. وهذا الأمر استدعى اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة وخروجاً ملحوظاً عن المألوف لاستراتيجية بعض الشركات.
وفي تعليقه على هذا الأمر، قال الشريك المدير لـ«Ernest & Young» ــــ الشرق الأوسط، فؤاد علاء الدين، «لاحظنا أن الاتجاه الذي ساد خلال الأشهر الستة الماضية تمثل بتسريع في التغييرات الإدارية الرامية إلى تحسين أداء الأعمال لدى الشركات، بغضّ النظر عن السيناريو الاقتصادي، سواء أكان يشمل احتمال استمرار الكساد أم احتمال حدوث انتعاش في الأجل القريب». ويوضح أنّ مواقع اتخاذ القرارات الإدارية شهدت «تحوّلاً جوهرياً» خلال مرحلة الانكماش، حيث «بات التوجه نحو ملاحقة الفرص الجديدة جزءاً مهماً».
(الأخبار)


الأسوأ... والانتعاش

يرى 25 في المئة من المديرين المستطلعة آراؤهم أن الأسوأ من الأزمة قد انقضى، كما يشير 42 في المئة منهم إلى أن العلامات الدالة على قرب الانتعاش في الاقتصاد العالمي باتت واضحة أو ستكون كذلك قبل نهاية العام. وفي المقابل تتوقع أقلية (21 في المئة) حدوث انتعاش قبل النصف الثاني من العام المقبل على أقلّ تقدير. وقد تميزت بعض القطاعات بكونها أكثر تفاؤلاً من غيرها، وبصفة خاصة قطاعات الاتصالات والطاقة والنفط والغاز. لكن البعض الآخر يرى أن الهبوط سيستمر لفترة أطول، وخاصة في مجال إدارة الأصول والعقارات والبناء.